خبراء يُحذرون.. سد مروي في مرمى الخطر بين صلابة الخرسانة وهشاشة الجيولوجيا
متابعات - الراي السوداني
متابعات – الراي السوداني – يواجه سد مروي، أحد أضخم المشاريع الكهرومائية في السودان، تهديدات متزايدة نتيجة لهجمات متكررة شنّتها طائرات مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع، استهدفت بنيته التحتية، خصوصاً مكوناته الكهربائية والبوابات.
وعلى الرغم من استبعاد انهياره الفوري بفعل هذه الهجمات، إلا أن مختصين حذروا من احتمالات حدوث تصدعات في هيكله الخرساني، في ظل وجود شكوك قديمة تتعلق بهشاشة الطوبوغرافيا التي أُقيم عليها السد.
يقع السد في ولاية نهر النيل بالقرب من مدينة مروي، على بُعد نحو 350 كيلومتراً شمال الخرطوم، ويبلغ طوله 9 كيلومترات وارتفاعه 67 متراً، فيما تبلغ سعة بحيرته التخزينية نحو 12.5 مليار متر مكعب من المياه. وتكمن أهميته في توليد 1250 ميغاواط من الكهرباء، ما يوفر الطاقة لنحو 10 ملايين مواطن.
في تطور خطير للصراع السوداني، تعرض السد لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة، أدت إلى أضرار بالغة في منشآته المساندة، خصوصاً محولات الكهرباء التي تغذي شمال البلاد.
وقد أسفرت هذه الهجمات عن انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، ولا يزال التيار مقطوعاً في بعضها حتى الآن. وتنوعت أنواع الطائرات المسيّرة المستخدمة بين الانتحارية والاستطلاعية، حيث استُخدمت في بعضها قذائف هاون و”آر بي جي”، بينما أشارت تقارير إلى استخدام طائرات مسيّرة صينية متقدمة من طراز CH–95، القادرة على شن هجمات دقيقة.
أوضح المهندس عبد الكريم الأمين، مستشار الطاقة والمساحة بدولة قطر، أن السد لا يقتصر على جسمه الخرساني، بل يشمل منظومة متكاملة من البنية التحتية الحيوية، مثل وحدات التوليد، والتي تتأثر بشكل مباشر بالضربات.
وأكد أن قذائف الطائرات المسيّرة غير قادرة على تدمير السد بضربات محدودة، نظراً لسمكه البالغ 1.2 متر، وتصميمه الذي يتضمن “جسماً خرسانياً مرناً” لامتصاص مثل هذه الصدمات، إلا أنه لم يستبعد حدوث تصدعات مع مرور الوقت، ما قد يشكل خطراً على المدى البعيد.
وأشار الأمين إلى وجود تخوفات قديمة منذ مراحل بناء السد، تتعلق بإمكانية ظهور تصدعات مبكرة، لافتاً إلى أن بعض الجهات الهندسية تعتبر بناء جسم خرساني مرن مؤشراً على محاولات معالجة تصدعات ظهرت خلال مرحلة التشييد.
كما تطرق إلى مناقشات ودراسات أُجريت حول الهشاشة الجيولوجية للمنطقة، التي قد تتأثر بالحمل المائي الكبير وضغطه على التربة.
وأكد أن التصدعات قد تنتج إما بفعل النشاط التكتوني أو نتيجة لتدخلات بشرية، مثل الحرب، ما يجعل خطر التشققات قائماً. وحذر من استهداف البوابات، لأن غمر الجسم الخرساني بالمياه على ارتفاع يتراوح بين 10 إلى 15 متراً قد يؤدي إلى انهيار الجزء المغمور بسبب ضغط الماء ووزنه.
وشدد على ضرورة إجراء تقييم هندسي شامل للجسر الترابي الملحق بالسد ومدى استقراره، سواء بعد انتهاء الحرب أو أثناء أي هدنة مقبلة، كما دعا إلى إجراء تقييم مماثل لجميع جسور الخرطوم والمنشآت المائية الكبيرة.
وأوصى بالاستعانة بخبرات استشارية دولية لتقييم الأضرار والبحث عن حلول، نظراً للشكوك المتعلقة بالجيولوجيا المحيطة بالسد، والتي تعززها الضربات الأخيرة.
كما لفت إلى ضرورة دراسة تأثير الزلازل في مناطق مثل إثيوبيا والدمازين والسوكي، إضافة إلى التأثيرات المحتملة لسد النهضة الإثيوبي، مشيراً إلى أهمية إخضاع جميع السدود السودانية لدراسات تفصيلية في هذا الصدد.
وبينما اعتبر أن المكونات الملحقة بالسد يمكن استبدالها، أبدى قلقاً بالغاً من هشاشة جيولوجيا المنطقة، مستنداً إلى دراسات ضعيفة وإنذارات أطلقها بعض الخبراء، من بينهم روس، بشأن ضعف تقييم هذه الطوبوغرافيا عند بناء السد.
وصف أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، استهداف سد مروي بالطائرات المسيّرة بـ”التطور الخطير”، مشيراً إلى أهمية موقعه بالنسبة لمصر كونه أقرب السدود السودانية إلى السد العالي، ومؤكداً أن القاهرة تتابع هذه التطورات عن كثب.
من جانبه، طمأن المهندس أحمد عبد الله دفع الله، الخبير في مجال السدود والمقيم السابق في موقع سد مروي، بأن السد يتمتع بمتانة عالية، وقد بُني وفق أحدث معايير التصميم في مجال بناء السدود.
في المقابل، رأى عدد من الخبراء عبر منصات إلكترونية أن انهيار سد مروي احتمال ضعيف، لكنه غير مستبعد كلياً، خصوصاً في ظل استمرار الضربات التي قد تؤدي إلى أضرار هيكلية تراكمية تهدد استقراره في المستقبل. وأكدوا أن تدميره الكامل يتطلب أسلحة ثقيلة موجهة نحو الجسم الخرساني أو بوابات التصريف، وهي إمكانيات لا تمتلكها قوات الدعم السريع حالياً.
وحذر الخبراء من كارثة محتملة إذا ما حدث انهيار في السد، قد تؤدي إلى تدفق 12.5 مليار متر مكعب من المياه دفعة واحدة، ما يسبب غرق مناطق شاسعة في شمال السودان، وقد تمتد آثارها حتى الحدود المصرية، وصولاً إلى مدينة حلفا القديمة.
ورغم تأكيد وزارة الري والموارد المائية في بيان رسمي صادر في مايو من العام الماضي على سلامة السد وعدم وجود أي مشاكل فنية، ونفيها لما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن استمرار الضربات العسكرية وتدهور أعمال الصيانة تثير قلقاً متصاعداً حول مصير هذا المشروع الحيوي.