مقالات

جعفر عباس يكتب .. لماذا أنا طافي لمبة

في الثامنة من صباح أمس، كنت ممددا على سرير وثير وفتاة حسناء تمسك بيدي، وتضع فيها حريرة وجبيرة برتقالية اللون: شعرها اسود كحظ أهل بلادي، ناعم كقلوب اهل بلادي، وطويل كحبل صبر اهل بلادي، ثم وبكل جرأة طلبت مني خلع ملابسي وزودتني بقميص نوم فاضح مفتوح ومشقوق من الخلف تماما، ولأنني من عائلة محافظة فقد دخلت الحمام وارتديت ذلك القميص، وأنا أكاد ان “أعيط”، خاصة وان ام الجعافر كانت شاهدة على كل ذلك ولم يصدر منها اعتراض او احتجاج

وكي لا تظنوا بي الظنون وتحسبوا ان ام الجعافر باعتني، فقد كان ذلك تمهيدا لدخولي غرفة العمليات لإزالة المياه البيضاء من عيني اليمنى، وكانت الحريرة والجبيرة شريطا عليه اسمي، وكنت في الفترة الأخيرة أحس ب”طشاش” في النظر، ولم أعد قادرا وأنا اقود السيارة على معرفة ما إذا كانت إشارة المرور حمراء او خضراء، هذا رغم اني لم اكن أميز إشارات المرور حتى عندما كان بصري “حديد”، فبسبب عمى الألوان فقد ظللت اتعامل مع إشارات المرور بمنطق الإشارة العلوية تعني قف، والاشارة الوسطى تعني استعد للوقوف او الانطلاق، بينما السفلية تعني اعبر.

كان مقررا ان اخضع للعملية قبل شهر رمضان وكان الطبيب قد أبدى استغرابه من وجود المياه البيضاء في عيني “لأن ذلك يحدث فقط لمن هم فوق ال45 ” كما قال، ثم حذرني من انني وبحكم انني كنت اتعاطى عقارا من عائلة ألفا بلوكرز Alpha Blockers فلابد ان اتوقف عن تناول العقار لستة أسابيع على الأقل قبل العملية تفاديا لنزيف العين، ولست من النوع الذي يرجف و”يلاوز” من كلمة عملية، كما انني لم أكن من النوع الذي يرجف قبل واثناء الامتحانات المدرسية، بل كنت مثلا اخضع لامتحان الرياضيات وأنا أغني رغم إدراكي بأنني سأحظى فيه ب”كعكة” مستديرة خالية من السكر، فقررت الخضوع للعملية عملا بالمثل السوداني “كتلوك ولاجوك جوك” يعني تدخل التجربة الصعبة بدلا من ان تعيش في توتر: هل ادخلها ام لا وما هي النتيجة؟ ولكن التحضير لعملية العيون هذا ارعبني فعلا: قياس ضغط الدم عدة مرات وفحص الدم العام والسكر وتخطيط القلب والخضوع لاستجواب طويل: هل أجريت عملية من قبل؟ هل في جسمك قطعة معدنية؟ هل تتحسس من دواء او طعام معين؟ هل تشكو من أي اضطراب في القلب؟ قلت لهم ان شرياني التاجي مزود بكركاسة، ولما رأيت الحيرة على وجوههم قلت “ستينت stent”، وتسمى باللغة العربية دعامة ولكن ما كان ممكنا ان أقول لهم ان جسمي يحتضن دعامة كما بيتي الذي اقتحمه الدعامة في 3 يونيو من العام الماضي

وخضعت لعملية “الموية البيضاء” بالمخدر الموضعي، أي انني كنت خلال العملية استعمل كلام الفريق الطبي وأصواتا مثل نقيق الضفادع مصدرها عيني “قق كرجكرج جقجق”، وفي هذه اللحظة ولعدة أيام تالية ستظل عيني اليمني مغطاة بغطاء زجاجي به ثلاثة ثقوب مثبت بالعديد من اللصقات الطبية، ومن ثم لن استطيع استخدام النظارة الطبية لفترة قد تطول، كما انني ممنوع من الانحناء ومن حمل أشياء ثقيلة، والمشكلة الكبرى التي تواجهني هي انني لا استطيع ان انام الا على بطني والدكتور قال “ممنوع” وداهية الدواهي هي انني ينبغي ان اخضع العين اليسرى لنفس التجربة بعد أسبوع

الله كريم

(كتبت هذا النص بعين واحدة وتذكرت الحلفاوي الذي فوجئ بعد الهجرة الى منطقة خشم القربة بشمس نارها حامية وكان “يصُر” عينه وهو يمشي في الشوارع فلما قالوا له ان ذلك سيجعل العين “المصرورة” كسلانة لا تبصر قال: مش هلفا الجديد دا؟ إين (عين) واهد كفاية)

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى