بالأمس نشر الأستاذ محمد محمد خير وقائع لقائه بالسيد الرئيس البرهان والذي طرح في إفاداته رؤية شاملة وواضحة لخارطة الطريق التي ستسير عليها البلاد بعد تحرير الجزيرة والتي تتوقع الدوائر العسكرية أنها لن تتجاوز الأسبوع الأول بعد العيد. ما أسعدني في هذه الرؤية أن الجميع في كابينة القيادة متفقين عليها وذلك من خلال تصريحات الفريق إبراهيم جابر والفريق ياسر العطا، اللذان أكدا على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وأنهما سيسلمان البلاد لحكومة منتخبة. أكد الرئيس البرهان هذا الاتجاه في لقائه بمحمد خير ولكن أضاف إضافات من شأنها أن ترسم صورة المستقبل القريب.
2
إفادة الرئيس الأولى هي (أن الجيش والحركات المسلحة والمستنفرين والشباب وكافة القوى الوطنية يخوضون هذه المعركة بهدف استئصال مليشيا الدعم السريع بشكل كامل مدفوعين بعزم لا يعرف الخور.). هذا المعنى تردد كثيراً في كل المخاطبات التي شهدتها المناطق العسكرية وهنا يمكن تسجيل ملاحظتين الأولى أن هذا الموقف (الاستئصال) غير متعلق بسير العمليات مد وانحسار إنما القرار استراتيجي باستئصال المليشيا تماماً.. بالدحر الكامل أو بالاستسلام ولا بأس أن يكون الاستسلام على مائدة تفاوض مفروشة فقط لقبول موقف الجيش والشعب السوداني وليس بأي حال من الأحوال إعادة المليشيا كلاعب في الملعب السياسي والعسكري.
الملاحظة الثانية أن في الإفادة وفاء للحركات المسلحة والمستنفرين وكل القوى الوطنية التي تقف بجانب الجيش وطمأنة لهم بأن لا يمكن بيعهم أو تسليم الوطن بفعل الضغوط الخارجية لأي جهة سوى جهة منتخبة. وفي ذلك رسالة مهمة والتزام مع رفاق السلاح الذين يقاتلون الآن جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة.
إفادة الرئيس الثانية تتعلق بتشكيل حكومة الفترة الانتقالية وأبرز ملامحها أنها (حكومة من الخبرات المهنية السودانية تزدحم بنظافة اليد والمهنية العالية مسيجة بإطار قانوني يستهدف ترسيخ العدالة الكاملة في ظل دولة قانون.).
إذن هي حكومة كفاءات مهنية هدفها إعادة الإعمار ونقل البلاد لمرحلة أخرى يختار فيها الشعب من يمثله. وأهم ملامحها أيضاً أنها لن تضم حزبياً واحداً
وأن الجيش سيعود لثكناته بعد الانتخابات وستكون مهمته حماية الدستور.
لماذا هذه الإفادة مهمة…. لأنها ظلت المطلب الأول الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية نفسها قبل تزويرها إضافة لكونها كانت أول مطالب القوى التي أقصتها الثورة وهمشتها بعد أن اختطفت مجموعة من عطالى قحت القرار السياسي في البلاد كلها باعتبار أنهم وحدهم ممثلو الثورة.!!
وهي إفادة مهمة لأنها السبيل الوحيد لوضع حد للادعاءات العريضة بتمثيل الشعب، الكل يدّعي أنه يمثل الشعب، ولا سبيل لمعرفة صدق تلك الادعاءات إلا من خلال انتخابات حرة نزيهة بواسطة حكومة مستقلة غير منحازة لأي طرف من الأطراف المتصارعة في الساحة السياسية لتحديد من يملك الشرعية التي تأتي عبر التفويض الشعبي.
مهمة أيضاً لأنها تقطع الطريق على الضغوطات الخارجية الساعية للدفع بالعملاء لسدة الحكم دون أي مشروعية مع تجاهل تام لكل المكونات السياسية وكأن تلك المجموعة المنبته تملك حقاً إلهيا تحكم بموجبه البلاد فقط لأن الغرب راضٍ عنها وهذا الرضا هو ما يهبها المشروعية لحكم البلاد بلا تفويض ولأجل غير مسمى.
الآن سيجابه العالم كله بموقف موحد من الجيش والشعب وقواه السياسية أن المحدد الوحيد لحكم البلاد هو صناديق الانتخابات وليس صناديق الذخيرة أو الادعاءات الصفيقة بادعاء تمثيل الجماهير. لن يستطيع الغرب فرض من يرضى عنهم على السودانيين فالطريق الوحيد المفتوح أمامه أن يذهب لدعم أحبابه هو التأثير على الانتخابات فإذا استطاع إقناع الشعب بأي وسيلة لإعادتهم للحكم عبر صناديق الانتخابات بطريقة نزيهة فخير وبركة مبروك عليهم حكومة الجنجويد، أما إذا فشلوا فعليهم الصبر لعشرات السنين لعل الله يكرم أحبابه بثورة أخرى بعد ثلاثون عاماً أخرى.!!
3
الفائدة الثالثة المهمة التي أدلى بها الرئيس البرهان في قوله (إن الفترة الانتقالية ستكون فترة تأسيس يتم من خلالها إعادة الإعمار إلى جانب جمعية وطنية تحاسب الحكومة وتعمل على عقد المؤتمر الدستوري مؤكداً أن تلك ثوابت ولن يستجيب لأي ضغوط مهما تعاظمت.). الفترة الانتقالية تأسيسية عمادها جمعية وطنية مهامها 1/ إعمار ما دمرته الحرب 2/ مراقبة ومحاسبة الحكومة /عقد المؤتمر الدستوري.
الأسئلة التي تنطلق مباشرة عقب طرح هذه الرؤية المهمة هي كيف نؤسس لجمعية وطنية ومن من؟ كيف سيتم إعمار ما دمرته الحرب؟ … سؤال الموارد والأفكار حول أولويات إعادة الإعمار ومن يقوم بالمهمة في كل القطاعات المدمرة تماماً الآن.
كيف ستتم مراقبة ومحاسبة الحكومة.. ما هي الآليات ومدى السلطات التي تتمتع بها تلك الجمعية.؟ هل يمكنها إقالة الحكومة مثلاً.؟ ما دور الجيش في هذه المرحلة.. مرحلة ما بعد تأسيس الحكومة.؟
سؤال آخر يتعلق بالمؤتمر الدستوري.. ممن يتكون وليفعل ماذا؟.. لاستاذنا الواثق كمير أفكار متقدمة في هذه الناحية يمكن الاستفادة منها.
4
الشاهد أننا بحاجة للإجابة على الأسئلة أعلاه إلى جانب أسئلة أخرى متعلقة بالمفوضيات المختلفة وأهمها مفوضية الانتخابات وغيرها.
ستبدأ هذه الصحيفة حملة واسعة لاستطلاع رأي الجمهور والخبراء في كافة المجالات لحصد إجابات تساعد متخذ القرار النظر للآراء والبدائل المختلفة هو يرسي دعائم فترة انتقالية.. (الاحداث) مستقرة ومؤسسة على علم وخبرات وعلى العدالة والحرية التي عصفت بهما قوى الحرية والتغيير للأسف كما عصفت بالثورة نفسها.