10 اكتوبر 2022م
قيل إنّ أحد الخلفاء في مصر دعا إليه الشعراء، فصادفهم شاعر فقير وبيده جرّة فارغة كان ذاهباً بها إلى البحر ليملأها ماءً، فرافقهم ووصل معهم إلى دار الخلافة. فبالغ الخليفة في إكرامهم وأنعم عليهم.
ولما رأى الخليفة الرجل وعلى كتفه الجرّة ونظر إلى ثيابه الرّثْة، قال من أنت؟ وما حاجتك؟
فأنشد الرجل:-
ولما رأيت القوم شدوا رحالهم
إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي
فقال الخليفة:
املأوا له الجرّة ذهباً وفضة، فحسده بعض الحاضرين وقالوا للخليفة، هذا فقير مجنون لا يعرف قيمة هذا المال وربما أتلفه وضيّعه.
فقال الخليفة، هو ماله يفعل به ما يشاء، فملئت له جرْته ذهباً وخرج إلى الباب، ففرق المال لجميع الفقراء، وبلغ ذلك الخليفة، فناداه وسأله على ذلك؟
فقال الرجل
يجود علينا الخيِّرون بمالهم
ونحن بمال الخيِّرين نجود
فأعجب الخليفة بجوابه، وأمر أن تملأ جرّته عشر مرات. وقال الحسنة بعشر أمثالها.
فأنشد الرجل الفقير هذه الأبيات الشعرية التي يتم تداولها عبر مئات السنين
الناس للناس ما دام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس ما بين الورى رجل
تُقضى على يده للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحدٍ
ما دمت تقدر والأيام تارات
وأذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
فمات قومٌ وما ماتت فضائلهم
وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتٌ
إنّ الإنفاق والعطاء وقضاء حوائج الناس هي من شيم الكرام.
وليس فقط دائماً العطاء بالمنح، بل أحياناً يكون العطاء بالمنع.
فكتمان الغضب وستر أسرار الناس وكف اللسان عن أعراضهم هو من أنبل أنواع العطاء.
ولذلك للإنفاق لذةٌ لا تُضاهيها لذةٌ، وكذلك في الإنفاق جبر خواطر.
لذلك جعل الله الحسنة بعشر أمثالها.