“الزواج هو المُغامرة الوحيدة المُتاحة للجبناء”.. فولتير..!
(1)
كيف تكون الرقابة على ميزان العدل في مؤسسة الزواج القائمة على ثلاثة أضلاع وما هي خارطة طريق الوحدة الجاذبة في تلك الشراكة يا ترى؟. كيف نحاسب الحكومة وكيف تطمئن قلوب الرعية إلى عدالة توزيع الحصص في مملكة القوامة والولاية والشراكة في مقام “الواحدية” والتعدد في مقام “التوحد”؟. أعتقد أن الفقهاء – الذين يحلون ضيوفاً على وسائل الإعلام في بلادنا – لم يجيبوا على تلك الأسئلة يوماً بما يكفي من الحياد الجندري المطلوب. فهم كانوا ولا يزالون منشغلين بزجر هواجس المرأة بشأن التعدد وتزيين الفكرة للرجل، بينما الذي يحتاجه هذا المُجتمع أدق وأشمل من بيان حكم شرعي بلا تنوير معرفي. أما أئمة المنابر فهم بحاجة إلى تفكيك بعض المُسلّمات الاجتماعية والأعراف الفاسدة التي لا يتّفق معها عقلٌ ولا يُوافق عليها دين..!
(2)
إنّ أحب أحوالنا إلى الله ما كان على وجه السداد والتيسير دونما تكلف أو اجتهاد أو تعسير. ولعلّ في الدرس الرباني العظيم المتمثل في زواج سيد الرجال والخلق أجمعين من أرامل ومطلقات كانوا نساء لرجال قبله – ماعدا السيدة عائشة – عبرة لبعض المتنطعين ومواساة لبعض المستضعفات وصفعة لغرور بعض سادتنا الرجال، وتفعيلاً لمبدأ التسديد والمقاربة دونما إفراط أو تفريط..!
(3)
“الريموت كنترول” ليس جهازاً صغيراً للتّحكُّم – عن بُعد – بعروض القنوات على شاشات التلفزيون فقط، بل هو “أيقونة” سياسية و”تيرمومتر” حسّاس لقياس معدلات الديمقراطية الأسرية خلف الأبواب المغلقة. هل تأخذني على محمل الجد إذا ما قلت لك إنّ مسألة نجاح أو فشل الحلول الديمقراطية لمشاكل الحياة الزوجية قد تبدو أحياناً رهينة اختبار سياسي لموقف الشريك من ساعات استئثار الآخر بجهاز التّحكُّم عن بُعد حين مشاهدة برنامج تلفزيوني؟. ذلك أنّ سلوك الشركاء في مؤسسة الزواج لا يتجزّأ بل يتلوّن ويتمرحل بنسب متفاوتة، بدءاً بنوعية الطعام ومستوى نضجه ونكهاته، مروراً ببرامج التلفاز مواقيتها وأنواعها، وانتهاءً بحفنة لا بأس بها من القرارات المصيرية..!
(4)
أعظم النساء المُستنيرات وأعظم الرجال المُستنيرين في السودان قد يعيش الواحد منهما هزيمة المثقف أمام سطوة العرف في شأن الزواج، فيتخلى عن أفكاره الإصلاحية ورؤيته العادلة للذات الإنسانية على إطلاقها، ثم يمشي طائعاً مختاراً إلى جذر الجد وأصل “الحبوبة” إذا لزم الأمر. رغم أنّ الثقافة في معناها هي حزمة من العقائد والمعارف والفنون والأخلاق والقوانين والعادات، ورغم أنّ الريادة في مبناها هي التشريع للآخرين من خلال الشجاعة في تبني المواقف والخيارات. فالمثقف يعتنق ويَشرَح بينما الرائد يفعل ويُشرِّع، ولكن باب النسب والمصاهرة في السودان لا يزال هو المدخل الوجودي الوحيد الذي يعبر منه المثقف عارياً عن فكره، متجرداً عن ثقافته. وهذا – بكل أسف – هو جوهر الفرق بين الثقافة والريادة..!
munaabuzaid2@gmail.com