سالني أبني ذات صباح ونحن نشاهد معاً أحدى القنوات الفضائية التي تستضيف (أحدهم) :
– إنتا يا بوي لو الواحد عاوز يبقى خبير إستراتيجي ذي الزول ده يعمل شنو؟ فحمدت الله وأثنيت عليه وأخذت رشفة من فنجان القهوة الذي أمامي ثم (عصرت) ذهني مليئاً وأجبته :
– والله با إبني ما عارف
ولما رأيت علامات الإستغراش على وجهه (واصلت قائلاً):
– في الحقيقة يا إبني أنا ما عارف تعريف الخبير الاستراتيجى شنو؟ يعني درس شنو؟ وفي ياتو كلية ، وياتو تخصص ؟ وهل هو خبير في أي حاجة؟ في الزحمة وفي اللحمة؟ في السلاح وفي الملاح؟ في الأوزون وفي النايلون؟ في الدولار وفي البمبان؟ في السياسة وفي الكياسة .. ما عارف يا إبني بيكون إستراتيجي وخبير في شنو بالضبط ؟
ولما لاحظت أن حدقتى عينيه قد إتسعتا قلت له
– ربما تكون يا أبني القصة دي موهبة أو ربما تكون منّة من الله سبحانه وتعالى، أو إحتمال تكون مهارات متوارثة و (حرفنة) ، لكن فيما أرى أن القصة (فهلوة وتنظير ليس إلا).
إن المتتبع للقنوات الفضائية مؤخراً وهي تتابع أحداث السودان يلاحظ ظاهرة (عجيبة) وهي إنتشار (كميات) من (الخبراء الإستراتيجيون) ، الخبير الإستراتيجي في (المياه الإقليمية) فلان الفلتكاني ، الخبير الإستراتيجي في صناعة (البمبان) علان العلتكاني ، الخبير الإستراتيجي في (حرب الشوارع الضيقة) مش عارف مين ، يخيل إليك وأنت تشاهدهم بأن بين كل إتنين (خبراء) في البلد دي يوجد مواطن (خبير) وكمان إستراتيجي .
فى غفلة من الزمن أصبح هؤلاء الخبراء (أكتر من الهم على القلب) ما أن تفتح قناة حتى تجدهم يرتدون (الفل سوت) التي يفشلون في (زبط) ربطة عنقها ، يختلفون في نبرات الصوت وطريقة الحديث لكنهم جميعاً يتفقون في شيء واحد هو الجهل بما يتحدثون ، و (العجب) وقمة (فقعان المررة) لو أن المذيع ذاااتو (خبير إستراتيجي) وفي هذه الحالة (حديد لاقى حديد) إذ يمكنك تشنيف إذنيك بإجابات عن كل الأسئلة العصية فى الدين والدنيا، فى الدنيا والآخرة، فى الآخرة وبعد الممات، فى الأدب والبلاغة، فى التكنولوجيا والأنثربولوجيا ، فى المكوة والدكوة وسوف تلاحظ كيف أن (الخبير) يجيب ولا يتردد في كل مل يطرح عليه من أسئلة مختلفة ، لا بيقول الحاجة دي ما تخصصي ، لا توجد لديه ثقافة (ما عارف) والله أعلم ، و(من قال لا أدرى فقد أفتى) .
أي شخص إنتسب يوما (للجيش) أو الأمن وترك الخدمة برتبة (صول) يصبح بقدرة قادر خبيراً أمنياً إستراتيجيا (كيف مش تعرف) ؟ أي شخص عمل (صرافاً) في أحد البنوك وأحيل إلى المعاش يتحول (طوااالي) إلى خبير إقتصادي إستراتيجي ؟ وكل من عمل نادلاً بأحد المطاعم صار خبيراً إستراتيجياً في (التغذية) ، وكل من عملت (حنانة) أستضيفت بحسبانها خبيرة إستراتيجية في (التجميل)
ما أن تستمع إلى أحد هؤلاء الخبراء (الإستراتيجيون) حتى تجد نفسك أمام ضحالة فى المستوى لم تكن متوقعة أبداً، ضحالة فى المعلومات، كما فى طريقة التفكير، كما فى طريقة التعامل مع المستجدات، أما (اللغة) فربنا يعين !
رأينا فى الآونة الأخيرة خبراء استراتيجيين يتعاملون مع ما يطرح عليهم من موضوعات حسب إنتماءاتهم (الحزبية) فكم من خبير أمني إستراتيجي (كوز) سئل عن إن كانت (الخرطوم) تشهد تظاهرات حاشدة فأجاب بأنه (الآن) في (نص الخرطوم) حيث الحياة تسير بصورة عادية والمحلات (فاااتحة) والمواصلات (فااضيااا) ، يقول ذلك بينما (المخرج إبن الهرمة) يعرض له في النصف الآخر من الشاشة حشوداً مليونية من المتظاهرين ! بالله عليكم أي خبير في (الكذب) والتلفيق مثل هذا الذي لا يستحي وأي خبرة لديه لا تجعله يعلم بأن العالم قد صار قرية بل حجرة واحدة !
أعتقد أننا أمام قضية من الخطورة بمكان ، قضية تستوجب وضع تعريف علمى وعملى ومنطقى للخبير الاستراتيجى، وإعادة النظر فى هذه (التسمية) الهلامية عشان ما كلما نفتح التلفزيون يجي ناطي لينا خبير ليحدثنا حديثاً متخماً بالجهل والغباء وعدم المواكبة والعلمية (ومرات الكذب) وبمناسبة (الكضب ده) إستمعت قبل يومين افريق (كوز) إسمو قال (فتح الرحمن) ذكر في لقاء له بقناة الحدث أثناء مليونية يوم 13 ان المتظاهرين قد أقتحموا عدداً من أقسام الشرطة وأحرقوها ! (يااخ أختشي على دمك) !!
كسرة :
الكضب ده ما بحلكم !!
كسرات ثابتة :
• مضى على لجنة أديب 763 يوماً …. في إنتظار نتائج التحقيق !
• ح يحصل شنووو في قضية الشهيد الأستاذ أحمدالخير؟
• أخبار الخمسة مليون دولار التي قال البشير أنه سلمها لعبدالحي شنوووووو؟
• أخبار القصاص من منفذي مجزرة القيادة شنووووووووووووو؟
• أخبار ملف هيثرو شنوووووووووووووووو؟ (لن تتوقف الكسرة حتى نراهم خلف القضبان).
صحيفة الجريدة