تضاربت الروايات حول خبر إلقاء القبض على الناشط السياسي عثمان ذوالنون في جبل أولياء بقضية تتعلق بالمخدرات والخمر، بعيدا عن صحة هذه الأخبار من عدمها، وصحة التهمة من عدمها، يجب القول أن الناشط عثمان ذوالنون حفر لنفسه مكانة في تاريخ ثورة ديسمبر لا يمكن انكارها، ولا يمكن أن يتخطى عاقل او حصيف دور هذا الشاب في إلهاب حماس الكثير من شباب الجيل الجديد وإقناعه بالانضمام إلى الثورة في بداياتها.
السقطات المكلفة والمتعددة التي وقع فيها ذوالنون خلال مسيرته إبان الثورة، يمكن ارجاعها إلى حداثة تجربته السياسية وصغر سنه بالإضافة إلى السبب الاهم وهو عدم وجود حاضنة سياسية حزبية تحتويه وتؤطره تنظيميا وتوفر له الغطاء اللازم. هذه السقطات كلفت ذو النون الكثير وجعلته يعاني من أزمة المواجهة المستمرة مع الجماهير لإثبات الذات الثورية، وهي أزمة يعاني منها معظم النشطاء السياسيين الذين ظهروا في ثورة ديسمبر ووجدوا أنفسهم فجاءة في دائرة الضوء الكاشف بدون تدبير ولا تخطيط، مثال على ذلك أولاد الضي وشوتايم ودسيس مان وحازم حلمي، وغيرهم من الناشطين الذين تعرضوا لهزات نفسية وسياسية عنيفة غيرت من صورتهم الأولى الناصعة إبان الثورة إلى صورة أخرى بها كثير من التهشم والضبابية.
في الطرف الآخر يبدو اللامعين من الشباب السياسيين الذين يتمتعون بدعم من الحاضنة الحزبية السياسية في مستوى متقارب من المحافظة على الاتزان النفسي والسياسي، كمثال خالد سلك وعروة الصادق والأصم، الثبات في الطرح، الاتزان في الموقف، عدم التأثر بالدوامات الانفعالية، عدم الاندفاع خلف موجة الشارع، كلها قدرات اكتسبوها من وجودهم وتعلمهم المستمر في حواضن سياسية ثورية موجودة في الساحة السياسية، متصدرة للمشهد، قادرة على دعمهم في الوقت المناسب، قادرة على امتصاص الصدمات نيابة عنهم، وقادرة على مشاركتهم عبء التقدم الممرحل في العمل السياسي لحين بلوغ السلالم المتقدمة، وهذا بالضبط ما يجب أن يلفت نظر الكثير من مقتحمي العمل السياسي من الشباب، وينبههم إلى إن بحر السياسة ليس سهل العبور بالفردية وإنما يحتاج إلى أساس راسخ تقدمه في الغالب الأحزاب السياسية عبر التنشئة التنظيمية التي تضبط الفرد في سياق المجموعة، وتجعله أقرب إلى المؤدي في كورس الغناء، مما يعطيه ادوار فردية محددة ومحسوبة تعصمه من النشاذ والتوه والخروج عن النص.
تجربة ذوالنون وزملاءه الناشطين غير المحزبين، توحي لشباب الأجيال الجديدة بأن الانضمام لحزب سياسي والعمل من خلال منظومة سياسية مهما كانت عللها الداخلية، هو الادعى لجعل التجربة الفردية أكثر اتساقا وأعظم فائدة. هل هذا إقرار بانتهاء عهد الأفراد العظماء القادرين على تغيير التاريخ؟ لا ، ولكن لهؤلاء الأفراد شروطا قاسية جدا، لم تبرز بعد في ناشط فرد في ثورة ديسمبر، بل ظلت ثورة ديسمبر على الدوام نموذج على الجمعية لا على الفردية كما في المواكب والاعتصام. هل هي دعوة لانضمام الأجيال الجديدة للاحزاب السياسية الحالية؟ نعم، فالبلاد بها ما يكفي من أحزاب سياسية ذات تجربة وتاريخ وتغطي فكريا كل المشارب والمدارس الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بالوسط، ويمكنها استيعاب كل الطموحات الشبابية والإجابة على كل الأسئلة المنبعثة من جوف الجيل الجديد.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
The post يوسف السندي: الناشط عثمان ذوالنون appeared first on باج نيوز.