فيتشر – بهاء الدين عيسى
في صباح بدا عادياً لامرأة خرجت إلى عملها حاملة رسالتها التربوية، تحوّل المشهد إلى كابوس موثق بكاميرات المراقبة في شارع الوادي بمحلية كرري بأمدرمان. معلمة وقعت ضحية اعتداء مسلّح، نُهبت مقتنياتها تحت تهديد السلاح، وعلى مقربة من مبنى المحلية.
دقائق قليلة سجّلها الفيديو كانت كافية لتهزّ وجدان السودانيين وتتصدر منصات التواصل، لتصبح رمزاً لانهيار الإحساس بالأمان في بلد أثقلته الحرب وانتشار السلاح.
ما بين دموع الخوف التي ظهرت في نهاية التسجيل، وصدمة الرأي العام الذي رأى في الواقعة أكثر من مجرد حادثة نهب، انكشفت هشاشة المشهد الأمني: سلاح متفلت، ومجرمون يتجولون في بعض الأحيان بملابس تشبه القوات النظامية، وثقة شعب تتآكل يوماً بعد آخر في قدرة الدولة على حمايته.
غضب ومطالب بالردع
لم تمر الحادثة مرور الكرام، إذ تحولت إلى ساحة نقاش صاخب على وسائل التواصل. كتب محمد عبدالله مطالباً بإنزال أقسى العقوبات: “الفيديو ممكن يكون خيط لمدى جدية الأجهزة الأمنية في القبض، ويجب تطبيق فيهم حد الحرابة في ميدان عام، حتى يكونوا عظة وعبرة للآخرين.”
صوت يعكس غضباً شعبياً ورغبة في عقاب رادع يعيد شيئاً من هيبة القانون المفقودة.
جراح نفسية لا تُرى
في مقابل الغضب، تعالت أصوات أخرى تحذر من أثر الجريمة على الضحية والمجتمع. كتب آمين أبو علي متألماً: “الخوف والتروما الدخلت في أختنا دي ما حتخليها تشعر بالأمان لفترة طويلة، حتى ولو تحسن الوضع الأمني في البلد… ربنا يعينها على تجاوز الحادث.”
أبوبكر عبدالله التقط الخيط ذاته قائلاً: “الموجع الخوف الدخل فيها، والموجع فعلاً أننا كشعب كلنا خوفنا.”
أما ضياء الدين أحمد محمد فذهب أبعد من ذلك، محذراً من تداعيات العنف بالسلاح: “الخوف والرعب الناتج عن التهديد بالسلاح حيكون ليه أثر نفسي طويل المدى… الحوادث دي ممكن تخلق حالة من الخوف وعدم الأمان وتؤثر على الثقة في النظام والقانون.”
هشاشة الأمن بعد الحرب
اللافت أن كثيرين ربطوا الواقعة بانتشار السلاح بعد الحرب. سحر آدم علقت بمرارة: “السلاح بقى عند الحرامية ما عند الحكومة والله.”
أما ابتهال مزمل فاختزلت المأساة بقولها: “الوضع كله موجع، البلد ما آمنة، وممكن تتنهب تحت تهديد السلاح وتموت بسبب فواقد تربوية، وما في احترام لسيادة القانون.”
وجاء تعليق آمنة الأمين ليزيد الوجع: “الوجع في أنك في بلدك ما في أمان… لك الله يا وطني.”
بين خوف الفرد ووجع الجماعة
الحادثة لم تترك أثراً في الضحية وحدها، بل امتدت إلى عائلتها ومجتمعها بأسره. كتب مجدي دهب مخاطباً الوجدان: “أحساس أخوها، أبوها، ولدها وأهلها لما يشوفوا التصوير ده… هي ذاتها في بلدها، جوه حلتها، مطمئنة وماشّة تؤدي واجبها… لا حول ولا قوة إلا بالله.”
حادثة نهب المعلمة في كرري لم تكشف فقط عن جريمة مسلّحة، بل عن فراغ أمني يتسع يوماً بعد آخر، وفراغ نفسي يضاعف الإحساس بالخذلان. وبينما تنتظر الضحية تضميد جراحها النفسية، يترقب السودانيون إجابة حاسمة: هل تستعيد الدولة سيطرتها على السلاح وتعيد الطمأنينة للشارع، أم يظل الأمن نفسه ضحية يتعرض للنهب كل يوم؟