فيتشر – بهاء الدين عيسى – الراي السوداني
في لحظة امتزجت فيها الدموع بالفرح، تنفست أسرة الشاب السوداني محمد النور مهدي الصعداء بعد أيام عصيبة من القلق والترقب. فقد تم الإفراج عنه من قبل السلطات المصرية، بعد احتجازه في قسم شرطة الطالبية بمحافظة الجيزة، على خلفية عدم حمله بطاقة هوية أثناء سيره في الشارع، رغم كونه مقيماً بشكل قانوني في مصر ويتلقى علاجاً من مرض السرطان.
لكن القصة لم تبدأ ولا تنتهي هنا.
محمد النور، شاب سوداني في مقتبل العمر، يقاوم مرض سرطان الغدد اللمفاوية بكل ما أوتي من أمل. جاء إلى مصر بحثاً عن فرصة للعلاج، مدفوعاً بثقة أسرته في كفاءة المنظومة الطبية المصرية، التي طالما كانت ملاذاً لكثير من المرضى من أنحاء المنطقة. لكن طريق العلاج اصطدم بحاجز البيروقراطية، حين تم توقيفه يوم الإثنين 7 يوليو 2025، في لحظة لم يكن يحمل فيها ما يُثبت هويته.
رغم أن أسرته سلمت لاحقًا جميع الأوراق الثبوتية والطبية، التي تثبت إقامته القانونية ومرضه، ورغم أن محمد كان قد حصل بالفعل على الجرعة الأولى من العلاج، تم إدراج اسمه ضمن قائمة الترحيل. الصدمة لم تكن فقط في احتمال ترحيله، بل في أنه مهدد بحرمانه من جرعته الثانية التي كانت مقررة يوم 21 يوليو – جرعة ربما تفصل بين الحياة والموت.
في مواجهة هذا الخطر، لم تكن الأسرة وحدها.
برجالها ونسائها، تحركت الجالية السودانية في مصر، وأطلقت نداءها الإنساني، ليجد صداه لدى مبادرة “مَدَدْ” الحقوقية، وهي مبادرة مستقلة تُعنى بحقوق اللاجئين والمهاجرين السودانيين في مصر، وتقدم الدعم القانوني والتوثيقي والضغط الحقوقي والإعلامي.
تولت اشيماء سامي قيادة التحرك، بتنسيق مباشر مع أسرة محمد النور، وخصصت المبادرة أحد المحامين التابعين لها لمتابعة الملف قانونيًا مع قسم الطالبية والنيابة. كما أدت الصحفية المعروفة أماني الطويل دورًا فاعلًا في التواصل والدعم والتنسيق مع الجهات المعنية، في محاولة لتفكيك هذا المشهد القاسي وفتح باب الحياة أمام شاب لا يُطالب سوى بالعلاج.
ومع هذا الضغط الإنساني والقانوني، تجاوبت الجهات المختصة في قسم شرطة الطالبية والنيابة العامة بشكل إيجابي، وراعوا الحالة الصحية الحرجة لمحمد، والتزموا بالبُعد الإنساني الذي تقتضيه الحالة.
وفي مشهد جمع بين القانون والرحمة، تم الإفراج عن محمد، ليكمل علاجه في بيئة صحية مناسبة، ويستعيد حقه في الحياة.
أسرة محمد النور عبّرت عن امتنانها العميق للحكومة المصرية على تعاملها الإنساني، ولجميع من ساند وتضامن وشارك، سواء من أبناء الجالية السودانية أو من أصدقائنا المصريين، وكل من رفض بصوته أن يُرحَّل مريض سرطان في لحظة حرجة من علاجه.
تقول والدته بنبرة ممتزجة بالدموع والفخر:
“جئنا إلى مصر لأننا نثق في أطبائها، ولم نخطئ… واليوم نرى أن مصر لم تكن فقط بلد علاج، بل بلد قلب كبير أيضاً.”
إنها قصة انتصار صغير وسط زمن القسوة.
لكنها تحمل رسالة عظيمة: أن الإنسان حين يكون في قلب الأولوية، تصنع الرحمة مع القانون معجزة…
ويتحول جدار الزنزانة إلى باب مفتوح نحو الأمل.