للحقيقة لسان
رحمة عبدالمنعم
“تنسيقية تقدم” ..تواطؤ وخيانة
وسط مشهد سياسي يتسم بالفوضى والتناقضات في السودان، يبرز دور تنسيقية “قوى تقدم” كواحدة من أكثر الكيانات المثيرة للجدل ، رفعت التنسيقية شعار “لا للحرب” و”الحياد”، في محاولة لتقديم نفسها كصوت للسلام وسط الحرب المحتدمة ،ولكن خلف هذه الشعارات البراقة، تتكشف مواقفها كأداة تخدم مصالح قوى خارجية، مما يثير تساؤلات جدية حول دورها الحقيقي وأجندتها السياسية.
رفعت “قوى تقدم” راية الحياد في مواجهة الحرب الدائرة، لكنها بذلك اختارت موقفاً يمكن وصفه بالانحياز غير المباشر لميليشيات “دقلو اخوان ” التي تعيث في السودان فساداً، ففي الوقت الذي يُقتل فيه الأبرياء وتُدمَّر المدن والقرى على أيدي الميليشيات، لم تجد التنسيقية حرجاً في التزام الصمت، بل واستثمار شعار “لا للحرب” لتبرير موقفها السلبي.
الحياد الذي تتبناه التنسيقية ليس سوى غطاء يخدم القوى الخارجية، وعلى رأسها الإمارات، التي تدعم ميليشيات الجنجويد لتحقيق أهدافها في السودان. لم يكن هذا الحياد سوى وسيلة للتهرب من المسؤولية، وإعطاء شرعية ضمنية لتوسع نفوذ ميليشيات الدعم السريع، وهو ما يجعل التنسيقية شريكاً في معاناة السودانيين.
قبل شهر، واجهت “قوى تقدم” لحظة فارقة عندما تعرضت لهجوم شعبي خلال مؤتمر نظمته في لندن ،كانت هذه الواقعة بمثابة استفتاء شعبي على فشل التنسيقية في تمثيل إرادة السودانيين ،جاء الغضب الشعبي في شكل هتافات واحتجاجات صاخبة من سودانيي الشتات، الذين رأوا في المؤتمر محاولة لتجميل صورة التنسيقية، بينما يعاني الشعب في الداخل من ويلات الحرب وتواطؤ النخب السياسية.
هذا الهجوم العلني يعكس حجم الهوة بين “قوى تقدم” والشعب السوداني. فقد بات واضحاً أن التنسيقية لا تمثل تطلعات المواطنين، بل تنفذ أجندات تخدم أطرافاً أجنبية لا تهتم بمصلحة السودان.
وبينما تدعي التنسيقية الحياد، تبرهن مواقفها على غير ذلك. فمن خلال رفضها إدانة الجرائم التي ترتكبها الميليشيات، ودعواتها غير المباشرة للجلوس على طاولة مفاوضات قد تُكرّس لشرعية هذه الميليشيات، تظهر “قوى تقدم” كقوة سياسية تفتقر إلى الحسم والمصداقية
هذا التناقض يتضح أكثر في تجاهلها المستمر لمعاناة المدنيين، خصوصاً في المناطق المتضررة مثل دارفور وولاية الجزيرة..الخ ففي الوقت الذي يرزح فيه المواطنون تحت وطأة الانتهاكات، تكتفي التنسيقية بإصدار بيانات مبهمة، خالية من أي خطوات عملية أو ضغط حقيقي على مليشيا الدعم السريع المتورطة في الإنتهاكات
لا يمكن فهم موقف التنسيقية بمعزل عن الأجندات الخارجية التي باتت تتحكم في كثير من قراراتها ،الدعم السياسي المبطّن الذي تقدمه “قوى تقدم” لميليشيات الجنجويد يأتي متسقاً مع مصالح دول مثل الإمارات، التي تسعى لتعزيز نفوذها في السودان عبر وكلائها المحليين، هذا الدعم لم يعد خافياً على أحد، وهو ما يجعل التنسيقية في موقف الخيانة العلنية لمصلحة الشعب السوداني
الأزمة في السودان تتطلب مواقف شجاعة وواضحة من القوى السياسية كافة، بعيداً عن الشعارات الزائفة والمواقف الرمادية. “قوى تقدم” مطالبة اليوم بإعادة النظر في سياساتها، إن كانت فعلاً تهدف لخدمة السودان، لا أن تستمر في لعب دور المتفرج أو الشريك في الجرائم التي تُرتكب ضد الشعب
على السودانيين في الداخل والخارج أن يواصلوا رفع أصواتهم في وجه كل الكيانات التي تخذل الوطن وتخون الأمانة،فقد أظهر الهجوم الذي تعرضت له التنسيقية في لندن أن الشعب لن يقبل بالصمت أو الحياد حين يكون الوطن في خطر ،إنها دعوة لكل غيور على السودان، لإعادة صياغة المشهد السياسي بعيداً عن الانتهازية السياسية والخضوع للأجندات الخارجية
“قوى تقدم” ليست مجرد تنسيقية سياسية؛ إنها نموذج صارخ لما يحدث عندما تبتعد القيادة السياسية عن نبض الشارع وتصبح أداة في يد قوى خارجية، ولكن الشعب السوداني، الذي انتفض مراراً ضد الظلم، قادر على محاسبة كل من يخونه، التاريخ لن يرحم المتخاذلين، وسيسجل لكل من باعوا وطنهم أو قصروا في حقه.