هل من تأثيرات سلبية، لتوقيت ما قال به الجنرال العطا ، على مسار العمليات؟..
التناغم داخل مجلس السيادة قادر على معالجة المشكلات بعيداً عن أعين الإعـلام..
دكتور راشد: خطيئة كبيرة وجود عاملين بمؤسسات الدولة يوالون الميليشيا وحلفائها..
بخاري: لابد من مواجهة هذه البؤر بحسم وصلابة من أعلى هرم في الدولة..
مطالبات بتوحيد الخطاب الإعلامي والسياسي لهيئة القيادة، بما يحفظ تماسك الدولة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
حديث عضو مجلس السيادة الانتقالي، مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن ياسر عبد الرحمن العطا، أحدث لغطاً كبيراً، وأثار غباراً كثيفاً وسط الشارع السوداني، وأقام منصات التواصل الاجتماعي ومواقع (السوشيال) ميديا ولم يقعدها من خلال الحبر الذي أسالته التعليقات والمقالات والجدل وسخونة النقاشات، ومن خلال الأسئلة المطروحة بشأن توقيت هذا الحديث وأبعاده ودلالاته والرسائل التي وضعها في بريد الحكومة السودانية ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء، حيث يتخوف الكثيرون من أن يلقي حديث العطا بتأثيرات سلبية على منظومة الحكومة السودانية خاصة مع أصابع التخوين الواضحة التي أشارت إلى مظلة حماية تتوفر من أعلى مستويات الحكم في البلاد، لترعى وتكفل الخونة والعملاء والمارقين من منسوبي الجنجويد والقحاتة الموجودين في مفاصل الدولة ومرافقها الحيوية والمهمة.
جدل بشأن التصريحات:
وعُرف عن مساعد القائد العام للقوات المسلحة عضو المجلس السيادي الفريق أول ركن ياسر العطا، إثارته للجدل من خلال ما ظلّ يطلقه من تصريحات نارية منذ اندلاع هذه الحرب التي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع بتمردها على القوات المسلحة في الخامس عشر من أبريل 2023م بدعمٍ سياسي من القحاتة، وإمدادٍ لوجيستي من دولة الإمارات، وإسنادٍ معنوي من قبل محاور إقليمية ودولية ظلت تلتزم الصمت الغريب والمريب، وإن كان العطا موفقاً في الكثير من تصريحاته السابقة، إلا أن الهجوم الكاسح الذي شنه في تصريحاته بشأن وجود الجنجويد والقحاتة في مفاصل الدولة ومرافقها الحيوية، يراه مراقبون غير موفق، حيث كان من الأجدى أن يُناقش خلف الأبواب المغلقة، وتتم معالجته عبر القنوات الرسمية، خاصة في ظل التناغم الكبير الذي يسود أروقة مجلس السيادة باعتباره المؤسسة الدستورية الأعلى والتي ظلت تقود دفة البلاد باقتدار عالٍ طوال فترة الحرب، حيث تقاسم أعضاء مجلس السيادة عملية الإشراف على مجلس الوزراء بحيث أصبح كل عضو مسؤول عن عدد من الوزارات يقوم بمتابعتها والتواصل مع قيادتها ومعالجة أي خلل يلامس مفاصلها.
غير لائق ولكن:
ويجد الأستاذ بخاري بشير رئيس تحرير صحيفة ( السودان الآن) مبرراً لغضبة القائد ياسر العطا، والهواء الساخن الذي أخرجه، باعتبار أن يد الرجل في النار، فقد ظل ومنذ تفجر الحرب قبل أكثر من عام ونصف العام، موجوداً في مسارح العمليات ويقود الحرب في عدة محاور، حيث استطاع مع رفقاء الميدان من القيادات الأخرى في القوات المسلحة أن ينقلوا الحرب إلى مربعات الانتصارات العريضة التي زادت من رقعة الأراضي التي أصبحت في متناول يد الجيش، وأبان الأستاذ بخاري في إفادته للكرامة أن الفريق ياسر العطا ورفاقه يخوضون هذه المعارك، وكان في ذهنهم أن الدولة أيضا تخوض حرباً من نوع آخر على مستوى جهازها التنفيذي، فصُدموا أن ميادين الحرب الأخرى ليست على ما يرام، وأكد رئيس تحرير صحيفة ( السودان الآن) أن تصريحات العطا بانتقاد جهاز الدولة، والمجلس السيادي جانبت اللياقة، وزاد “كان ممكن أن يوصل رسالته في لقاءاته العديدة أو داخل مجلس السيادة، من غير أن يصرِّح بها في العلن، ولكن يبدو أن العطا جرب هذه الخطوة، لذلك آثر التصريح بها علناً”.
لا غضاضة:
ولا يرى دكتور راشد محمد علي الشيخ أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية غضاضة في أن يطلق الفريق ياسر العطا تصريحاته في الفضاء الإعلامي، معتبراً أن توقيت التصريحات يتماشى مع الظرف الأمني الذي تواجه فيه البلاد حرباً ضروساً ضد الدعم السريع، وأن التصريح العلني ينطلق من موقف الدولة التي أعلنت الحرب على المنظومة السياسية المساندة للمتمردين، مما يعني أن المواجهة لا يمكن أن تكون خلف الأبواب المغلقة، ونوه دكتور راشد إلى وجود مجموعة من العاملين في مؤسسات الدولة تدين بالولاء التام سواءً للميليشيا المتمردة أو لحلفائها السياسيين، وتضع وفق ذلك مصلحة الخارج مُقدمةً على مصالح الدولة، منتقداً بشدة هذه الفكرة التي وصفها بالخطيئة الكبيرة التي قال إن الكوادر المنتمية سياسياً وقعت في فخها وسهَّلت من مهمة اختراق الدولة على مستوى السياسات الكلية للأمن القومي، الأمر الذي يؤثر ميدانياً على مجريات الحرب.
صراع معقد:
ويقر دكتور راشد محمد علي الشيخ أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية بتدخل الكوادر المنتمية للقحاتة والجنجويد فيما وصفه عمق الصراع المعقد جداً، مؤكداً على الإضرار الكبير الذي ألحقته هذه الكوادر السياسية بجسد الدولة ومفاصلها من خلال وجودهم خلال الفترة الماضية وتركهم يعملون في مؤسسات الدولة باعتبار أنها تقدم مصالح أحزابها على مصالح الدولة، مبيناً أن توقيت تصريحات الفريق ياسر العطا مرتبطة بحالة ميدان المعركة والتقدم الكبير للقوات المسلحة، واصفاً ما يجري في مؤسسات الدولة بالمعركة السياسية التي قال إن المواجهات فيها غير مرئية في إشارة إلى أن ولاء بعض العاملين في مؤسسات الدولة لمنظوماتهم السياسية أكبر من ولائهم إلى الدولة، مما يعني أن هؤلاء يسخرون مصالح البلاد لخدمة أغراضهم، وبالتالي يضرون بمصالح الدولة، وأكد دكتور راشد أن المؤسسات التي ذُكرت هي مؤسسات حيوية جداً، وأن الافتراض المنطقي، أن تكون الكوادر الموجودة فيها مرتبطة بمصالح الدولة، وليس مرتبطة بمصالح المنظومات السياسية ومصالحها الحزبية الضيقة.
حسم وعدم تراخي:
ويعود الأستاذ بخاري بشير رئيس تحرير صحيفة ( السودان الآن)، ليشدد على ضرورة أن يؤخذ حديث الفريق ياسر العطا في الاعتبار بحيث تتم مواجهة هذه البؤر والدوائر الموجودة في مفاصل الدولة بحسم وصلابة من أعلى هرم في الدولة، داعياً رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بالاستمرار بذات القوة التي قاد بها البلاد في هذه الظروف العصيبة وعدم التراخي فيما يختص بوجود الجنجويد والقحاتة، مطالباً بإطلاق يد القانون، حتى لا تكون هناك إدانات بلا أدلة وبلا جريمة، مبيناً أن عدم التقدير السليم لهذه الحرب يضر بالبلاد، عطفاً على كونها حرباً وجودية لا مكان فيها للتراخي، فإما أن يكون السودان أو لا يكون، متمنياً أن تأتي تصريحات الفريق ياسر العطا بنتائج إيجابية لأداء الدولة، وليس أن يتم استغلالها من قبل البعض لشق الصف وإذكاء نار الخلافات في جسد الدولة.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد حرّكت تصريحات الفريق أول ركن ياسر العطا الراكد في المشهد السياسي رغم اختلاف الكثيرين معها، ويبقى على هيئة القيادة العليا في الدولة أن تتخذ من الإجراءات ما يعيد العافية إلى مفاصل الدولة ويجعل وجه البلاد خالياً من القحاتة والجنجويد، وفي ذات الوقت ينبغي أن تسعى هيئة قيادة الدولة إلى توحيد خطابها الإعلامي والسياسي بما يحفظ تماسك الدولة ويعزز من مقاصدها النبيلة في القضاء على ميليشيا الجنجويد، وداعميها من الخونة والعملاء الأنجاس المناكيد.