تقرير- صبري جبور
تحتضن العاصمة الجنوبية جوبا هذه الأيام، أعمال ورشة تقييم جوبا للسلام المُبرم بين حكومة السودان والجبهة الثورية، بتنظيم من جنوب السودان التي توسطت بين الفرقاء السودانيين، فيما وصل الخميس وفد من قادة القوى الموقعة على اتفاق السلام إلى عاصمة دولة جنوب السودان، للمشاركة في الورشة، وضمَّ الوفد عضوي مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، ومالك عقار، وحاكم دارفور منِي أركو مناوي، وعدداً من قادة الحركات والمسارات المضمنة بالاتفاق، في وقت أصدرت «الآلية الثلاثية»، بياناً رحبت فيه بالورشة واعتبرتها تكملة لنظيرتها التي رعت أعمالها في الخرطوم أخيراً.
وكانت الحكومة أبرمت على اتفاق سلام مع حركات مسلحة في الثالث من أكتوبر ٢٠٢٠م.. وظل اتفاق السلام مثار جدل في ظل تنامي مطالب تعديله وإلغائه، فيما يُطالب موقعوه بعدم المساس به، مهددين بالحرب حيال أيما خطوة تقود إلى التعديل أو الإلغاء.. كما ظل قادة الحركات يشكون من عدم تنفيذ الدولة لبنود الاتفاق، خاصةً فيما يتعلّق بإعادة النازحين وتوفير الموارد لإعمار مناطق دمرتها الحرب.
يرى خبراء ومختصون إلى ضرورة مشاركة أصحاب المصلحة في عملية تقييم وتقويم اتفاق جوبا للسلام، مؤكدين إلى أهمية الاتفاق والمحافظة عليه، باعتبار أنه أنهى حربا في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، رغم عدم تنفيذه بالصورة المطلوبة، بجانب عدم عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، متخوفين من مغبة عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية التي تعتبر أساس السلام.
مصفوفة زمنية
قالت دولة جنوب السودان، إن ورشة تقييم اتفاق السلام وضعت مصفوفة زمنية جديدة، عرضت الخميس لقادة التنظيمات الموقعة على الاتفاق.
وقال مقرر لجنة الوساطة الجنوب سودانية ضيو مطوك في تصريح صحفي، إن اللجنة الفنية راجعت جداول ومصفوفات مسارات الاتفاق ووضعت مصفوفة على نهج جديد، وأشار إلى أن المصفوفة الجديدة صُنفت لثلاث مجموعات، ضمّت الأولى المواد والبنود التي جرى تنفيذها، فيما وضعت في المجموعة الثانية البنود التي تحتاج إلى قرارات عاجلة، اما بنود الثالثة فهي مرتبطة بالمجموعة الثانية، وقال ضيو مطوك إن الاجتماعات تستمر ليومين بحضور الوساطة والضامنين والشهود، وأفاد بأن توقيع المصفوفة الجديدة سيجري في 19 فبراير الجاري، مشددًا على أن قضية شرق السودان وجدت اهتمامًا واضحًا في مناقشات الجلسة الفنية، وتوقع أن تكون في صدارة اجتماعات رؤساء التنظيمات.
دعم السلام
رحبت الآلية الثلاثية المكونة من (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية – إيقاد) بورشة جوبا، وقال بيان صادر عن الآلية، إن جميع المبادرات والجهود المبذولة لدعم العمليات السياسية والسلام في السودان تجد منهم القبول، وعدَّ البيان ورشة جوبا بأنها جهد مكمل للورشة التي نظمتها الآلية في الخرطوم حول اتفاق السلام في الفترة من 31 يناير إلى 3 فبراير الجاري.
تغيير المعطيات
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية، دكتور محمد خليفة صديق في إفادة لـ(الصيحة) إن اتفاق سلام جوبا ليس كتاباً منزلاً، وأضاف: إنما تم وفق معطيات محدَّدة. وإذا تغيَّرت تلك المعطيات ممكن أن يتغيَّر الاتفاق، حيث يتم الوصول إلى تفاهمات جديدة، ويؤكد خليفة “يبدو أن الحركات المسلحة تخشى من فقدان المكاسب الكبيرة التي حققتها في اتفاق جوبا، قد لا تجدها بسهولة في أي اتفاق آخر”.
تكلفة باهظة
في غضون ذلك، أكد الخبير والمختص في العلاقات الدولية، دكتور محمد أبو السعود، ان اتفاق جوبا أصبح عبئاً على البلاد وذلك من خلال الصرف عليه، لا سيما في وجود (5) جيوش، يقدَّر الصرف عليها يومياً بنحو (55) مليار جنيه في ظل أوضاع اقتصادية صعبة بالبلاد!!!!
ويقول أبو السعود في إفادة لـ(الصيحة): إن تكلفة الحرب كانت أقل بكثير من التكلفة الباهظة للسلام – الآن، مشيراً إلى أن الحكومة الموجودة ليست لديها إمكانية مالية لتصحيح وضع الترتيبات الأمنية فيما يتعلق بالتسريح والدمج، وانتقد أبو السعود المجتمع الدولي بشأن عدم دعم عملية السلام، وقال: “معروف المجتمع الدولي بتاع كلام ساي”، وطالب أبو السعود بإنهاء اتفاق جوبا بانتهاء الفترة الانتقالية، حتى يتم استيعاب قوات الحركات في جيش قومي موحَّد والأجهزة الأمنية المختلفة.
تنازع سياسي
قال رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، إن اتفاق سلام جوبا لسلام السودان يعتبر الأفضل لشموله كافة الموضوعات والتقاطعات بالنسبة لاتفاقيات السلام السابقة، مؤكدا الحرص على تنفيذه لنهايته، وأضاف جبريل خلال مخاطبته اجتماع رؤساء وقادة اطراف السلام بورشة تقييم تنفيذ الاتفاقية بجوبا وبعد التوقيع على الاتفاق لم تطلق رصاصة واحدة من قبل الحكومة أو اطراف العملية السلمية، معتبراً هذا بالإنجاز الكبير ساهم في تحقيق الاستقرار بالبلاد، وأشار جبريل إلى العقبات التي واجهته من تنازع سياسي مستمر أدى إلى تعطيل تشكيل آليات تنفيذ الاتفاق، داعياً أطراف السلام للتوحد أكثر، وقال إن التوافق فيما بيننا يساعدنا في التنفيذ، مشيراً إلى أن شح الموارد المالية ادت الى تعطيل بنوده، ونادى بضرورة الإسراع في تكوين آليات تنفيذ اتفاق السلام، مطالباً الاشقاء في الجانب العربي والأفريقي والإسلامي بتوفير الموارد التي تساعد في تنفيذ الاتفاق، لافتاً الى أهمية عودة النازحين واللاجئين لمواقعهم للمساهمة في التنمية بمناطقهم، خاصةً وأنّ هنالك دولاً لديها مشاريع بالسودان.
غياب الإرادة
في السياق، طالب ممثل مسار شرق السودان، أسامة سعيد، بتتفيذ مسار الشرق لتحقيق الاستقرار بشرق السودان، قائلاً لسنا راضين على تعليقه ونريد الإعلان عن تنفيذه ونتطلع الى مستقبل أفضل في شرق السودان، وأشار إلى تكالب بعض الأطراف على المسار لتنفيذ أجندتها، وإن غياب الإرادة السياسية للحكومة السابقة ساهمت في عدم تنفيذ هذا المسار، بالإضافة لعدم لعب الوساطة دورها المطلوب تجاه هذا المسار.
زخم سياسي
وأوضح رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس في تصريح سابق بعدم سعيهم لإجراء تعديلات على اتفاق جوبا للسلام، وأكد الهادي استحالة إجراء أي تعديل على وثيقة جوبا دون موافقة الأطراف الموقعة عليه، ورأي بأن ما يتردد بشأن وجود اتجاه لإلغاء الاتفاق حديث بلا قيمة، مبيِّناً أنهم أحرص الناس على تنفيذه وإنزال بنوده لأصحاب المصلحة، وقال إدريس ان الأسباب الرئيسة وراء عدم تنفيذ الاتفاقية هو ضعف الإرادة السياسية لدى الموقعين، وحمَّلهم جميعاً المسؤولية مباشرة في عدم توفير آليات التنفيذ، علاوةً على عدم الالتزام بالجداول الزمنية وعدم إجازة القوانين الخاصة به، بجانب تعدد الأطراف الموقعة على الاتفاقية.
وأصدرت الوساطة الجنوبية بياناً ختامياً امس قالت فيه إن الورشة هدفت لتقييم تنفيذ الاتفاق والوقوف على أوجه القصور التي صاحبت تنفيذه وتذليل العقبات وإنشاء آليات المتابعة والمراقبة والتقييم لضمان التنفيذ بالكيفية المطلوبة.
وبحسب البيان الختامي فإنه تم عقد جلسة افتتاحية وجلسات تفاكرية لعرض بروتكولات الاتفاق، ووقفت الورشة على التحديات والعقبات التي صاحبت التنفيذ ووضعت تصورا متكاملا لتحديث مصفوفة الاتفاق لرفعها إلى قيادة طرفي الاتفاق لإجازتها والتوقيع عليها.
وطبقاً للبيان الختامي وافقت قيادة الطرفين على المصفوفة توطئة للتوقيع عليها اليوم السبت في الجلسة الختامية التي يشرفها رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير راعي الاتفاق بحضور الضامنين والشهود.