مثلما أن هنالك نكات تجعلك تنفجر بالضحك فهنالك أخرى تجعلك تتوجع بالدموع وتئن بالعبرات ومنها حكاية الأب المعاشي الذي قضى حياته كلها مرهقا ومضحيا في تربية الأبناء ورعاية الأسرة حتى أقصته الأيام في ركن قصي في غرفة مهجورة، ورفيقه منضدة بها ماء فاتر، وبقايا مضاد حيوي، وكرسي مجاور لا يجلس عليه أنيس. صاح يوماً وقد أقلقه المرض وهده التعب:
يا ولد يا عصام أديني مويه
فرد عليه عصام الإبن الأصغر بصوت لا أدب فيه ولا مبالاة:
والله يا بابا أنا ما قادر جيت تعبان من التمرين
وكانت فجيعته الكبرى حين صاح إبنه الأكبر طارق يا أبوي الولد دة أصلو مافيهو فايدة قوم أشرب وأديني معاك.
عزيزي القارئ إن هذا الأب المريض الجريح بكبريائه هو السودان رجل إفريقيا المريض، وعصام وطارق هما جيلنا الذي آثر قلة المروءة والخيبة واليد السفلى والهتاف في وجه عدوٍ متخيل. نعم هم نحن نمارس العقوق لهذا الوطن المعاشي بكفاءة استثنائية.