الراي السوداني
زعيم حزب سوداني: “الحرية والتغيير” قدمت أسوأ نموذج لديكتاتورية تشهدها البلاد
– هناك جهة سلطوية متسلطة محتقرة لأجهزة العدالة تحول دون إطلاق سراحي حتى الآن
– السودان لم يشهد حالة من السيولة الأمنية والسياسية على نحو ما يشهده حاليا
– السودان يشهد صراعا بين مشروعين أولهما “أمريكي-مصري” وثانيهما “صهيوني-إماراتي”.
– تأسيس “قوة خاصة لمكافحة الإرهاب” يعد استنساخا للتجربة المصرية في وصم كل معارض بـ”الإرهاب”
– ندعو لتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة ذات مهام محددة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة
– مَن يزعم أنه بدعمه لـ “قحت” يدعم الديمقراطية والحريات فهو واهم أو مخادع
– الإسلاميون جادون في خوض انتخابات حرة ونزيهة ولا يخشون من قيامها بأي صيغة كانت .
قال رئيس حزب “دولة القانون والتنمية” السوداني، والمنسق العام لتيار الأمة الواحدة، الدكتور محمد علي الجزولي، والمعتقل منذ نحو عامين، إن “قوى (إعلان الحرية والتغيير) قدمت أسوأ وأجرم وأقبح نموذج لديكتاتورية شهدتها بلادنا منذ الاستقلال، وإنه لن يبكي عليها أحد”، مضيفا أن “مَن يزعم أنه بدعمه لـ (قحت) يدعم الديمقراطية والحريات فهو واهم أو مخادع”.
وأكد، في مقابلة خاصة مع “عربي21” (أجريت معه أثناء إحدى جلسات محاكمته)، أن “ما لحق بالسودان من شلل تام وانهيار في كافة المجالات أثبت لجميع العقلاء في الداخل والخارج أن الإسلاميين رقم لا يمكن تجاوزه، وأنهم الركن الأهم في استقرار الدولة ونهضتها ونموها”، لافتا إلى أن “مخططات استئصال وشيطنة وعزل الإسلاميين باءت بالفشل والبوار الواضح للعيان”.
ودعا “الجزولي” إلى “الحفاظ على هوية البلاد وقيم المجتمع، والمنع الحازم والحاسم للتدخلات الأجنبية، وبناء وعي ثوري، وتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية ذات مهام محددة، ومواجهة الخطاب العنصري الجهوي”، مشدّدا على ضرورة “إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتفرغ الأحزاب للعمل الحزبي والسياسي استعدادا للانتخابات”.
يشار إلى أنه في تموز/ يوليو 2020، اعتقلت “الجزولي” قوة من الاستخبارات العسكرية السودانية، وذلك في أعقاب إدلائه بتصريحات حول وجود “مشروع عنصري لتفكيك البلاد” تقف وراءه “جهات علمانية متطرفة وأحزاب سياسية وحركات مسلحة بدعم إقليمي”، وهو الأمر الذي نفاه الجيش حينها.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع “عربي21”:
بداية، لو تحدثنا عن وضعكم الآن وظروفكم الصحية داخل السجن؟
أمضيت ما يقارب السنتين في الحبس وتم إطلاق سراحي بقرار من النيابة العامة مرتين في تموز/ يوليو 2021 وتشرين الأول/ أكتوبر 2021، ومرة ثالثة برفض القضاء تجديد حبسي في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2022، ولكن في كل مرة تتدخل جهة سلطوية متسلطة محتقرة لأجهزة العدالة وتحول دون إطلاق سراحي أقبحها وأكثرها جرأة وإهانة للنيابة العامة وتسييسها لعملها ما فعله عبدالفتاح البرهان يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر؛ إذ كسر قرار النائب العام وأعاد حبسي بعد وصولي إلى منزلي بثلاث ساعات فقط، بل إنه لم يكتف بذلك فقام بفصل النائب العام مولانا مبارك محمود. بعد تكرار هذا التعسف دخلت في إضراب عن الطعام مطالبا بإطلاق سراحي أو تقديمي إلى محكمة عادلة، وقد استمر الإضراب ثمانية أيام وتم تحويل الملف بعدها إلى المحكمة بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير الجاري فقمت برفع الإضراب داخل قاعة المحكمة، وأرجو أن لا يكون القضاء قد أعد فصلا جديدا من المماطلة والتعسف.
لو تحدثنا عن رؤيتكم لما وصلت إليه الأوضاع في السودان اليوم؟
لم يشهد السودان حالة من السيولة الأمنية والسياسية على نحو ما يشهده الآن، المشهد تسيطر عليه أجندة أجنبية لا صلة لها بثورة الشعب ولا تطلعاته. في السودان اليوم صراع بين مشروعين: مشروع أمريكي-مصري يسعى لعسكرة الدولة، وهو يدعم قادة الجيش، ويريد دولة سودانية غير قادرة على النهوض لكنها غير منهارة، حتى لا يضر انهيارها بالأمن القومي المصري، وحتى لا يؤدي انهيارها إلى جعل منطقة البحر الأحمر جاذبة للإرهاب. يريدون دولة تابعة لا تمتلك إرادة ولا سيادة، وهذا المحور يستثمر في حالة الشيطنة للجيش لإغراء قادته بمزيد من الارتماء في حضنه والاستجابة لإملاءاته. والمشروع الثاني هو صهيوني-إماراتي يسعى لجعل السودان دولة منهارة وفاشلة، حتى يسهل تقسيمها وإعادة تشكيلها وفقا لمؤامرة المسارات الخمسة التي تم تمريرها في اتفاقية جوبا للسلام، وهذا المحور لا يدعم الجيش، لكنه يدعم قوات الدعم السريع، ويعمل على توظيفها، كما يدعم المليشيات المسلحة العلمانية المتطرفة كحركة عبدالعزيز الحلو، وحركة عبدالواحد محمد نور، ويستثمر في توظيف القوى المدنية لتحقيق هدفين؛ الأول شيطنة الجيش وتفكيكه، والثاني شيطنة الإسلاميين وعزلهم سياسيا واجتماعيا، لكنه لا يؤمن حقا بالديمقراطية.. وعلاقته مع القوى العلمانية المدنية تكتيكية ومرحلية وليست استراتيجية؛ فالمشهد للأسف يفتقد للمشروع الوطني الوازن بل والمرجح.
ما أبعاد وأسباب الصراع بين شركاء الحكم المدنيين والعسكريين بالسودان؟
القوى المدنية للأسف لم تستوعب الدرس ولم تنتبه إلى ما حذرنا منه بعد توقيع الإعلان السياسي مع المكون العسكري؛ فالقوى المدنية ليست خيارا استراتيجيا لا لمحور واشنطن-القاهرة ولا لمحور تل أبيب-أبو ظبي، وقد لعب بها المحوران سياسة حتى وصلوا إلى خيارهم الاستراتيجي، وهو تمكين عسكر الجيش بالنسبة للمحور الأول أو تمكين عسكر المليشيات بالنسبة للمحور الثاني. والخلاف بين قادة المكون العسكري وبين قوى “إعلان الحرية والتغيير” مجموعة الأربعة ليس خلافا في البرامج والمشاريع السياسية؛ فكلاهما مع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكلاهما مع أن يصبح السودان حليفا لأمريكا في المنطقة، وكلاهما مع العلمانية وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي، وكلاهما يصنف الإسلاميين خطرا عليه، وكلاهما ليس جادا في إقامة انتخابات حرة ونزيهة.
ربما تستغرب لكلامي هذا أن الخلاف بينهما يتمثل في: هل نقيم ديكتاتورية عسكرية لها حاضنة مدنية أم ديكتاتورية مدنية لها حاضنة عسكرية؟ لكن كلا الطرفين قدما معا أسوأ نموذج لحكم ديكتاتوري منذ عقد قرانهما في آب/ أغسطس 2019 وحتى طلاقهما في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ولا أظنه طلاقا بائنا إذ سيبحث كفيل كل طرف عن صيغة مشتركة للرجعة.
“مجلس الدفاع والأمن” قرر تأسيس “قوة خاصة لمكافحة الإرهاب”.. كيف تنظرون لهذا القرار؟
هو استنساخ للتجربة المصرية في تهيئة الرأي العام ووضع الأساس القانوني لوصف كل معارض للسلطة بالإرهاب لاستجداء الدعم الدولي. لقد ظل مصطلح الإرهاب منذ ظهوره تصاحبه هذه الحالة من السيولة.. نحن الآن نحاكم في محكمة اسمها محكمة الجرائم الموجهة ضد الدولة ومكافحة الإرهاب، ولعلكم ستوثقون المعروضات التي ستعرض في هذه المحكمة، وهي عبارة عن بوسترات ورقية ولافتات قماش.
ما فرص نجاح المبادرات التي تهدف لحل الأزمة مثل مبادرة بعثة الأمم المتحدة في السودان “يونيتامس” والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “إيغاد” ومبادرة الاتحاد الإفريقي؟
قلت للسيد محمد ود لباد مبعوث الاتحاد الإفريقي الذي توسط في الحوار بين المكون العسكري وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، إن أهم واجبات الوسيط هو تحديد أطراف النزاع بدقة واختزالكم المشهد السياسي في المكون العسكري وقوى “إعلان الحرية والتغيير” لن يحل الأزمة، وقد كان تمخض عن الاتفاق نظام ظل يترنح ويترنح حتى سقط. والمبادرات المذكورة همها الأكبر حل النزاع بين المكون العسكري و”قحت”، وإن رفعت شعار الحوار الذي لا يستثني أحدا عدا المؤتمر الوطني، فإن الحقيقة أن كل القوى خارج “قحت” ليست جزءا من الحوار في المبادرات المطروحة وليس لها وجود إلا صوريا.
هل تلك المبادرات تمثل مخرجا من الأزمة السودانية أم إنها توفر مخرجا للعسكر كما يقول البعض؟
إيجاد مخرج للعسكر أو مخرج لـ “قحت” أو مخرج لهما معا لن يحل الأزمة.. نحن نريد مخرجا للوطن بأكمله.
وبالتالي، فما أبرز ملامح خارطة الطريق التي تعتقدون أنها مناسبة لإخراج الوطن من أزمته؟
ثورة كانون الأول/ ديسمبر ليست الثورة الأولى التي فجّرها شعبنا؛ فللسودان إرث سياسي في المراحل الانتقالية، وخارطة الطريق التي نطرحها تقوم على الحفاظ على هوية البلاد وقيم المجتمع في مواجهة مشروع التجريف الوظيفي الذي لا صلة له بشواغل المجتمع، بل بتنفيذ النيوليبرالية التفكيكية لمجتمعاتنا بضرب منظومة القيم. كما أنها ترتكز على الحفاظ على سيادة البلاد والمنع الحازم والحاسم للتدخلات الأجنبية، وبناء وعي ثوري يعمل على معاقبة أي دولة تتدخل في شؤوننا بتتريس وإغلاق مشاريعها الاستثمارية بأمر الشعب، والحفاظ على وحدة البلاد، ومواجهة الخطاب العنصري الجهوي والعزل السياسي والاجتماعي لأصحابه. وندعو إلى تكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية ذات مهام محددة (الأمن، ومعاش الناس)، وإلغاء كل ما تقحمت فيه السلطة الانتقالية من ما هو ليس من اختصاصها ولا تمتلك له تفويضا شعبيا مثل العلاقات التي أنشأتها مع الكيان الصهيوني. ولا بد من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتفرغ الأحزاب للعمل الحزبي والسياسي استعدادا للانتخابات.
هل أنتم مع أم ضد دعوات إخراج العسكر من المشهد السياسي السوداني؟
لم يكن العسكر جزء من المرحلة الانتقالية في ثورة تشرين الأول/ أكتوبر 1964، لكنهم كانوا جزء من المرحلة الانتقالية في ثورة نيسان/ أبريل 1985؛ فليست القضية أن يكونوا أو لا يكونوا، إنما القضية ما هي الصيغة التي يكونون بها؟، وما هو تأثير هذه الصيغة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة؟
البعض يتهم “قوى الحرية والتغيير” بممارسة الإقصاء والإبعاد واحتكار الفعل السياسي والوطني لمدة 3 سنوات.. إلى أي مدى هذا الكلام دقيق؟
قوى “إعلان الحرية والتغيير” قدمت أسوأ ديكتاتورية تشهدها البلاد منذ الاستقلال، هل تصدق أنهم كانوا يغلقون الكباري ويستدعون الشرطة من الولايات لقمع المتظاهرين ؟ ، هل تصدق أنهم قتلوا خلال فترة حكمهم ما لم يقتله البشير في المظاهرات منذ حراك أيلول/ سبتمبر 2013 بشهادة صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي؟، هل تصدق أنهم كانوا يمنعون بالقوة مجرد إفطار رمضاني والأخطر من ذلك أنهم يفتحون بلاغات في المتظاهرين بتهمة تقويض النظام الدستوري ويرمونهم في المعتقلات عدة شهور، هل تصدق أن العسكر الآن أرحم من “قحت” بمن يعتقلونه من المتظاهرين، حيث أنهم يفتحون له بلاغ شغب وإزعاج عام ثم يتم إطلاق سراحه بالضمانة في أقل من ساعتين، بينما كانت “قحت” تفتح للمتظاهر بلاغ تقويض النظام الدستوري لتعتقله عدة شهور؟
هذه الحقائق يجب أن يعلمها الرأي العام داخليا وخارجيا. مَن يزعم أنه بدعمه لقحت يدعم الديمقراطية والحريات فهو واهم أو مخادع، أنا الآن في الحبس لما يقارب السنتين في بلاغ فتحته “قحت” يتعلق بتقويض النظام الدستوري معروضات هذا البلاغ بوسترات ورقية ولافتات قماش في مظاهرات سلمية.
لقد قدمت “قحت” أسوأ وأجرم وأقبح نموذج لديكتاتورية مدنية فلا تبكي على الحريات ودماء الشهداء، وقد كان أحدهم المدعو محمد سليمان الفكي عندما كان حاكما يقول: نحن فقط الذين لهم حق التظاهر وليس لأحد غيرنا الحق في التظاهر. وحقيقة “قحت” لن يبكي عليها أحد، ولن يتعاطف معها أحد.
لكن أين موقع ودور الإسلاميين من تطورات هذا المشهد؟
ما لحق بالدولة من شلل تام وانهيار في التعليم والصحة والنقل، وانتقاص سافر للسيادة، وتقسيم للمجتمع، وغلاء طاحن، ودمار اقتصادي في ظل إقصاء الإسلاميين وشيطنتهم، أثبت لجميع العقلاء في الداخل والخارج أن الإسلاميين في السودان رقم لا يمكن تجاوزه، وأنهم الركن الأهم في استقرار الدولة ونهضتها ونموها. هذه الحقيقة في كل يوم تبرز بقوة وتكتسب أراضي جديدة، وتعترف بها قوى داخلية وخارجية. ومشروع التيار الإسلامي والوطني العريض القائم على النقاط الخمس التي ذكرتها سابقا هو المخرج الآمن والسلس للسودان من الأزمة الحالية. والإسلاميون في السودان جادون في خوض انتخابات حرة ونزيهة، ولا يخشون من قيامها بأي صيغة كانت جغرافية نسبية رئاسية برلمانية.. والإسلاميون في السودان مع علاقات جوار آمنة ومتكافئة تراعي مصالح شعوب المنطقة ولا تتدخل في الشؤون الداخلية، وهم مع تحقيق العدالة وإنصاف المظلومين أمام قضاء عادل ومستقل، ومع علاقات متوازنة مع المجتمع الإقليمي والدولي تقوم على احترام سيادة الدول والاعتراف بخصوصيتها الثقافية وعدم كوكبة نموذج ثقافي محدد لفرضه على الشعوب.
والإسلاميون في السودان موجودون في كل مدينة وقرية وحارة، وفي كل تفاصيل الحياة، وقد باءت مخططات استئصالهم وشيطنتهم وعزلهم بالفشل والبوار الواضح للعيان.
وماذا عن رؤيتكم لمستقبل السودان في ظل التعقيدات الراهنة، والتي أشرتم إليها؟
هنالك تضخيم للأزمة الحالية، وعدم الاستجابة لـ”قحت” في مطالبتها بالعودة للسلطة لن يقيم حربا أهلية في السودان، ولا حربا في منطقة بري (أحد أحياء العاصمة الخرطوم)، وعلى “قحت” أن تعلم أنه لا بواكي لها، وأن قطاعا عريضا وتيارا واسعا من الشعب السوداني سعيد جدا بهذا السقوط المدوي لها، والموضوع ببساطة أن هنالك مخاوف مشروعة ومتفهمة من أن تنتهي قرارات 25 تشرين الأول/ أكتوبر إلى استنساخ النموذج السيساوي في السودان، وسيطرة العسكر على السلطة، وإقامتهم انتخابات مزيفة. هذا التخوف المتفهم يوجب على المكون العسكري تقديم ضمانات واضحة وقوية في ميثاق يجمع كل القوى السياسية، عماده تعيين حكومة مدنية غير حزبية بصلاحيات كاملة لأداء مهام محددة، والشروع الفوري في الترتيب لانتخابات حرة ونزيهة تتابع القوى المدنية كل إجراءاتها وخطواتها خطوة خطوة إلى جانب تعهد العسكر بعدم الترشح في الانتخابات وعودتهم إلى الثكنات فور إعلان نتائجها وتسلم السلطة المنتخبة لمقاليد الحكم؛ فبدلا من هذا الصراخ والشد والجذب وإضاعة الوقت وإنهاك الشباب فإن على القوى المدنية أن تجتمع على ميثاق شرف لحماية الانتقال السياسي وإنجازه وإلزام العسكر بهذه الثلاثة أو الاجتماع على إسقاطهم إن رفضوا الالتزام بها.