كتب: صديق محمد عثمان
قسّم المُستعمر أقطارنا بخطوط وهمية فوق الرمال؛ عزل فيها مُجتمعات كبيرة، وأقصى مجتمعات كانت راسخة في نظمها السلطانية، وجمع أشتات أقليات في حواضر مكّنها من الحكم بعد أن صمم نظامه وفق أهدافه هو. فصنع بذلك، دويلات وممالك وحكومات ظل يرعاها ويتعهّد نخبها.
والبلدان التي لم يتمكّن في الجولة السابقة من تقسيم مجتمعاتها أو تلك التي احتفظت بشيء من ميراثها الحضاري والسلطاني كالعراق واليمن وسوريا، عاد إليها في الجولة الجديدة فاستهدف كيانها وصب فوقه قدراً هائلاً من القوة.
فحيثما يقع بصرك في العالم العربي، ستجد حواضر محدودة تقوم فيها نخب مهمتها مواصلة الجباية لموارد مجتمعاتها لصالح المستعمر السابق، بينما تنتشر معسكرات النزوح واللجوء، وتعيش مجتمعات كبيرة فوق موارد ضخمة ممنوع عليه استغلالها؛ لأن المستعمر كان قد أغلق عليها وسلم المفتاح للنخب المستلبة حضارياً، المهزومة نفسياً التي تظن أن غايتها ومُبتغاها في الحياة أن يرضى عنها الخواجة ونظامه الدولي المزعوم!
في السودان أثبتنا بالعمل لا بالنظر أن بلادنا يمكنها أن تنهض رغم الحصار والمقاطعة والحروب والدسائس وخيانة بعض أبنائها، وإن مفتاح النهضة ليس المال على أهميته، ولكنه النفس البشرية إذا وجدت شفرة الاتصال بخالقها الرزاق ذي القوة المتين.
أخرج السودان نفطه، وبسط شبكة اتصالاته، وبنى كيلومترات طويلة من الطرق، وبنى 1600 كلم من خطوط الأنابيب في خمسة أعوام فقط في ما يشبه المعجزة، وأنشأ خمسين جامعة جديدة وأكثر من 500 مدرسة وأكثر من 26 مقراً للحكم المحلي، هذا عدا مباني المحاكم والمجالس وقامت فضائيات ولائية.
كل ذلك وهو يكافح عدواناً واستنزافاً وحروباً داخلية، كلما اقترب من معالجة أسبابها واجتذب إليه المتطرفين من أبنائه أمثال رياك مشار ولام أكول وتعبان دينق وغيرهم، همس الشيطان في ٱذان بعض حكامه فزيّن لهم إقصاء آخرين تستقبلهم دوائر التآمر بالترحاب المتوقع من مثلها.