تقرير: أميرة الجعلي
كان لافتاً صدور بيان من التنسيقية العليا للمفصولين تعسفياً يندد فيها بتباطؤ وزارة الخارجية وممانعتها في إنفاذ قرار المحكمة العليا بإعادة (15) سفيراً إلى عملهم بعد أن كانت قد فصلتهم لجنة إزالة التمكين.
و جاء في حيثيات قرار المحكمة في إبطال قرار لجنة إزالة التمكين أن القرار جاء خالياً من التسبيب ولم يرتكز على القوانين المختصة و المنظمة لعمل الخدمة المدنية. وأن قرار لجنة إزالة التمكين قرار إداري لذا يجوز للقضاء مراجعته والحكم عليه.
(الإنتباهة) تسلط الضوء من خلال هذا التقرير على حقيقة هذه الإتهامات، وما هي الأسباب الخفية وراء هذه المماطلة والممانعة، و ما هي حقيقة هذه الإتهامات و ما هو رد وزارة الخارجية.
أكد عدد من السفراء الذين أعادتهم المحكمة العليا للعمل و استطلعتهم (الإنتباهة)أن وزارة الخارجية لم تخطرهم بعد بقبول قرار المحكمة العليا وأعادتهم للعمل رغم المتابعة اليومية مع مكتب الوكيل. وإتبعت الوزارة رغم صدور قرار المحكمة العليا منذ شهرين بعودة (15) سفيراً إجراءات بيروقراطية متطاولة رغم فتوى رئاسة الوزراء وديوان شؤون الخدمة بإنفاذ قرار المحكمة وتعويض المفصولين وإعادة كافة استحقاقاتهم العملية طيلة فترة فصلهم. و قالوا أن الوزارة لم تخاطبهم حتى موعد نشر هذا التقرير لاستئناف عملهم، وفقاً لقرار المحكمة العليا الذي صدر بتاريخ 12 أكتوبر الماضي وألزم وزارة الخارجية بأن تبادر بتنفيذ القرار كما طلب من السلطات المختصة أن تعين على تنفيذه. وبموجب قانون إزالة التمكين.
لماذا تماطل الخارجية ؟
أعادت كل الوزارات والهيئات الحكومية منسوبيها التي أصدرت المحكمة العليا أحكاما لصالحهم ضد لجنة إزالة التمكين، بما ذلك الهيئة القضائية، وزارة العدل، بنك السودان، وديوان المعاشات، ضمن وزارات ومؤسسات أخرى. وإنفردت وزارة الخارجية بتعطيل تنفيذ قرار المحكمة العليا.
تحدي المحكمة العليا
وعلمت ( الإنتباهة) أن وزارة الخارجية خاطبت كلا من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارة العدل وديوان شؤون الخدمة، طلباً لرأي هذه الجهات في القرار، وهي خطوة استغربها القانونيون بإعتبار أن الجهاز التنفيذي لا سلطة له على القضاء في ظل مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء، ولأن الحكم بإعادة السفراء قد صدر من أعلى هيئة قضائية ولا يوجد من له سلطة لإلغائه.
و قال المحامي محمد عبد المجيد أن وزارة العدل نفسها قد بادرت بتنفيذ حكم القضاء بإعادة المستشارين الذين فصلتهم لجنة إزالة التمكين، ولا معنى لاستفتائها في إعادة السفراء الذين ألزم القضاء الوزارة بإعادتهم للخدمة. و قال متسائلاً أن الخارجية فور استلامها قرارات لجنة إزالة التمكين بفصل السفراء سارعت بتسليم السفراء المعنيين خطابات الفصل وأوقفت مرتباتهم دون الرجوع إلى أية جهة مثل وزارة العدل أو ديوان شؤون الخدمة لمعرفة حقوق هؤلاء السفراء أو الخطوات الواجب إتباعها معهم. هذا مع ملاحظة أن قرار لجنة إزالة التمكين بمثابة حكم إبتدائي، لأنه بموجب قانون تفكيك النظام الثلاثين من يونيو فهو قابل للمراجعة من قبل اللجنة نفسها، ثم الاستئناف لدى لجنة الاستئناف وأخيراً الطعن في المحكمة العليا، وهذه هي الخطوات التي إتبعها السفراء المتضررون.
و حسب المعلومات التي تحصلت عليها (الإنتباهة) فان مجلس الوزراء وديوان شؤون الخدمة وجها وزارة الخارجية بإنفاذ قرار المحكمة العليا. لكن إمعاناً في التأخير خاطبت وزارة الخارجية وزارة العدل كما أعادت مخاطبتها لمجلس الوزراء .
و أفاد أحد السفراء العائدين بموجب قرار المحكمة أن السفير الوكيل السابق المكلف علي الصادق أبلغهم مباشرةً أنه لن يتخذ قراراً بإعادتهم وسيترك الأمر للوزير القادم. كما ردد الوكيل الجديد موقفاً مشابهاً إلا أن أسلوبه و طريقة استقباله كانت أفضل وأكثر إنفتاحاً.
تحت طائلة القانون
من جهته إمتدح السفير و المحامي سراج الدين حامد وهو المحامي الموكل بقضايا المفصولين بوزارة الخارجية في حديثه لـ(الإنتباهة) بنزاهة القضاء و قرارات المحكمة العليا و الدائرة المختصة بمراجعة قرارات لجنة إزالة التمكين التي أثبتت استقلال القضاء و نزاهته وقوته.
و قال أن قرارات المحكمة العليا في دائرة المراجعة القضائية نهائي وواجب النفاذ من قبل جميع أجهزة الدولة بمختلف مستوياتها. و قال أن تصرف الوزارة لا يمكن تفسيره إلا بأنه مماطلة وتسويف في تنفيذ أحكام القضاء مما يعد تحدياً للحكم القضائي الذي أوجب على الوزارة المبادرة والمسارعة في تنفيذ مقتضى الحكم القضائي، وهو سلوك يوقع المسؤولين عنه تحت طائلة القانون الجنائي السوداني بتهمة إعاقة تنفيذ أحكام القضاء.
و أكد أنه وبصفته المحامي الموكل بقضايا المفصولين في الوزارة قد خاطب الوزارة مرتين لوضع الحكم القضائي موضع التنفيذ، كما خاطب المحكمة لإنفاذ قرارها بإعادة المفصولين كما خاطب النيابة العامة طالباً منها فتح الدعوى الجنائية في مواجهة المتسببين في تعطيل تنفيذ حكم القضاء، و قال أنه سيواصل متابعة الإجراءات القانونية التي إبتدعها حتى الآن حتى يتم تنفيذ حكم المحكمة العليا في حق السفراء الذين أمرت المحكمة العليا الموقرة بإعادتهم للعمل وفقا للإجراءات القانونية المتبعة .
في ذات السياق قال المحامي محمد عبد المجيد أن وزارة الخارجية إذا استمرت في هذا التعطيل و التماطل فمن حق المتضررين اللجوء للنيابة العامة لمحاسبة المتسببين في حرمانهم من حقوقهم التي أعادها لهم القضاء.
وكيل الخارجية السابق يتحدث
وقال وكيل وزارة الخارجية الأسبق السفير عبدالغني النعيم و رئيس لجنة المفصولين لـ(الإنتباهة) إن عدم تنفيذ الوزارة لقرار المحكمة العليا لفترة تجاوزت الشهرين، يعتبر إمعاناً في الظلم الشنيع الذي حاق بالمفصولين تعسفياً من وزارة الخارجية، ويتجافى والعدالة وروح الزمالة ويضعف الخدمة الدبلوماسية بإهدار الموارد والطاقات بينما تعاني رئاسة الوزارة والبعثات من النقص المريع في الطاقم الدبلوماسي والإداري في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد لتنشيط وتكثيف العمل الدبلوماسي)، وأضاف: ( إننا لانزال نأمل أن تبادر الوزارة بالتنفيذ الفوري لقرار المحكمة العليا إحتراماً لقرارات أعلى سلطة قضائية بالبلاد وإنصافاً للسفراء العائدين وأسرهم الذين مستهم أضرار بالغة جراء الفصل التعسفي والتمييز والإقصاء والحرمان من حقهم الطبيعي في العمل في بلادهم الذي تكفله لهم للقوانين واللوائح الوطنية والاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية).
ديوان شؤون الخدمة يرد
وعلمت(الإنتباهة) أن ديوان شؤون الخدمة رد على وزارة الخارجية بضرورة إعادة السفراء للخدمة إعتباراً من تاريخ صدور خطابات الفصل ومنحهم جميع حقوقهم طوال الفترة منذ ذلك التاريخ.
وأبدى مقرر التنسيقية العليا للمفصولين تعسفياً عبد الله الحسين أسفه لمماطلة وزارة في تنفيذ حكم المحكمة العليا في حق السفراء المفصولين تعسفياً. وأضاف أن الوزارة بإعتبارها واجهة للبلاد كان ينتظر منها أن تكون أنموذجاً في إحترام استقلال القضاء وترسيخ حكم القانون والعدالة.
وأبدى دهشته أن من يعطلون تنفيذ قرار المحكمة العليا كانوا من بين السفراء الموقعين على المذكرة الرافضة لإجراءات 25 أكتوبر بإعتبارها تهديداً لمدنية الحكومة وذلك لأن جوهر المدنية هو حكم القانون واستقلال السلطات والعدالة. وإتهم هؤلاء بأنهم ينفذون أجندة سياسية ضيقة.
وزارة الخارجية ترد
بدوره فند وكيل الخارجية الأسبق السفير علي الصادق مدير إدارة الشؤون المالية والموارد البشرية الإتهامات الموجهة له بالتماطل في إعاده السفراء، وأكد أنه لا تماطل على الإطلاق في عودتهم.
و قال السفير الصادق لـ(الإنتباهة) أنه أبلغ السفراء بأن هناك جهات أعلى من الوزارة لابد من أخذ رأيها، وأضاف طلبت من وزارة العدل إفادتي بأن القرار نهائي ولا رجعة فيه، وزاد أيضاً طلبت من مجلس الوزراء بإعتباره مسؤولاً من الخدمة المدنية في البلاد.
وأكد الصادق أنه في إنتظار رد الجهات المذكورة، وشدد أنه في حال وصول الرد بإعادتهم سيتم تنفيذ القرار.
تجميد الترقيات لأجل المحاصصات
ووفقاً لمصدر دبلوماسي رفيع في وزارة الخارجية تحدث لـ(الإنتباهة) فأن أقوى الأسباب التي تدفع من بيده القرار في تعطيل تنفيذ قرار المحكمة العليا تعود إلى المساعي المبذولة مع رئيس الوزراء للتمديد لحوالي (20) من السفراء الذين بلغوا سن المعاش، (65) عاماً، وقال المصدر إن هذه القيادات تخشى أن تعيق عودة السفراء الذين انصفهم القضاء فرص التمديد و النقل لأنهم سيشغلون وظائف وإدارات وبعثات خارجية تريد تخصيصها للسفراء المعاشيين الذين سيتم إختيارهم بمبدأ المحاصصة رغم أن معظمهم خدم خلال فترة الإنقاذ وكان لعدد منهم علاقات وثيقة بكبار المسؤولين وقتها. وأضافت هذه المصادر أن هذا العامل كان وراء تجميد ترقيات الوزراء المفوضين للسفراء وعددهم أكثر من (40) دبلوماسياً أكملوا (21)عاماً في الخدمة الدبلوماسية وقضوا حوالي (6) سنوات في درجة الوزير المفوض، في حين أن اللوائح حددت القيد الزمني للترقية لدرجة سفير بـ (3) سنوات فقط في درجة الوزير المفوض. وأشارت إلى الترقيات التي أجريت قبل شهور وشملت كل فئات الدبلوماسيين والسفراء باستثناء الوزراء المفوضين المرشحين لدرجة السفير وهو أمر لم يكن مفهوماً. وإعتبرت أنه أمر محزن أن يحبط هؤلاء وهم في مرحلة النضج والقدرة على العطاء لمصلحة من تجاوز السن .
ولفتت المصادر إلى أن وزارة الخارجية تعاني الآن نقصاً كبيراً في الكوادر القيادية، حيث أن عدداً من الإدارات بلا مديرين أصيلين إضافة إلى أن معظم البعثات الخارجية يترأسها دبلوماسيون دون درجة السفير( قائمون بالأعمال) . و كذلك تسود أجواءً من الربكة بسبب مواقف بعض مسؤولي الوزارة ورؤساء البعثات الذين إتخذوا مواقف سياسية تجافي أعراف المهنة الدبلوماسية وإتخذت إجراءات ضد بعضهم، لا يدري مدى إنفاذها.
إضعاف الخارجية وتجاوزات السفراء الأجانب
وقال مصدر سياسي إنه ينبغي النظر لما يحدث في وزارة الخارجية وتعطيل قيادة الوزارة لحكم القضاء بعودة السفراء في إطار ما تتعرض له البلاد من تدخل خارجي في شؤونها وتجاوز بعض السفراء والمبعوثين الأجانب لحدود مهامهم والأعراف الدبلوماسية على نحو ما عبر عنه رئيس مجلس السيادة مؤخراً. وأضاف: يبدو أن هناك خطة لإضعاف وزارة الخا جية ومؤسسة الدبلوماسية الوطنية بإعتبارها خط الدفاع الأول عن سيادة البلاد وأمنها القومي ووحدتها.
ولاحظ أن السفراء الذين أعادتهم المحكمة العليا هم من السفراء ذوي التجربة المهنية الطويلة التي إمتدت تجربة بعضهم لأكثر من (35) عاماً.
مصير السفراء الذين أقالهم البرهان
مصدر دبلوماسي مطلع قال أن مصير السفراء الذين أقالهم البرهان بعد إعتراضهم على قراراته الصادرة يوم ٢٥ أكتوبر لا يزال مجهولاً، إذ لا يزال هؤلاء السفراء موجودين في مقر عملهم و يواصلون الإتصالات الدبلوماسية باسم الحكومة رغم صدور قرار بإقالتهم.
و علمت (الإنتباهة ) أن الوكيل المكلف السابق السفير علي الصادق سبق و أن استدعى سفير جنوب إفريقيا من أجل إلتزام بلاده بقرار الحكومة بشأن عمل سفير السودان في بريتوريا. لكن في ذات السياق علمت الصحيفة أن وزارة الخارجية لم تنقل ذات الرسالة إلى سفراء فرنسا و سويسرا و القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم. و سبق و أن أعربت وزارتا الخارجية في سويسرا و الولايات المتحدة أن السفراء الشرعيين المعتمدين لديهما هما السفير علي الجندي والسفير نور الدين ساتي على التوالي. و سكتت وزارة خارجية فرنسا عن الإفصاح عن وضع السفير عمر مانيس الذي لا يزال موجوداً في باريس.
و حسب متابعات ( الإنتباهة) فأن الرأي الغالب عند متخذ القرار هو إعادة هؤلاء السفراء إلى الخرطوم دون إعفائهم من الخدمة و ترشيح سفراء آخرين بدلاً منهم. على أن تنهي خدمات من تم تعيينهم سياسياً بعد المعاش و يشمل ذلك سفراء السودان في واشنطن وبروكسل وباريس.
لوثة التطهير
ولا تزال المجموعة الأكبر والتي تم فصلها في أول مؤتمر صحفي للجنة إزالة التمكين في ٢٦ نوفمبر ٢٠١٩م تنتظر قرار المحكمة العليا للنظر في قضيتهم.
وقال الناطق الرسمي السابق باسم المجموعة السفير خالد موسى أن جملة من فصلتهم لجنة إزالة التمكين هم (134) من فئات السفراء و الدبلوماسيين و الإداريين.
تقدم منهم (130) بطلبات استئناف للمحكمة العليا. و حسب قرار المحكمة العليا فقد تم إعادة (15) سفيراً للخدمة. و عليه يصبح عدد الذين ينتظرون قرارات المحكمة العليا للبت في طلبات الاستئناف (113) حتى الآن حيث تراجعت اللجنة عن فصل أثنين من الزملاء وأعادتهما للخدمة. وترحم السفير خالد علي السفراء الذين توفاهم الله و هم ينتظرون قرار المحكمة مؤكداً أن أي قرار يصدر لترسيخ مبدأ العدالة ورد الظلم يحمل رداً للإعتبار الأدبي و المادي لأسرهم وأصدقائهم. و نادى بالنأي عن تسييس الخدمة المدنية وصون استقلاليتها من التدخل السياسي مشيراً أن لوثة التطهير التي بدأت بعد أكتوبر ١٩٦٤ و استمرت خلال كل فترات الأنظمة السياسية أدت الى إضعاف الآداء الكلي للدولة و هي تتعارض مع مبدأ بناء دولة المؤسسات وفصل السلطات و دولة القانون التي تعتبر الأساس لأية نهضة وطنية تتطلع لتحقيق التحول الديمقراطي وتنشد الاستقرار السياسي.