تقرير: رندا عبد الله
خلال العامين السابقين من الفترة الانتقالية، يرى مراقبون أن الأحزاب السياسية حسب وصفهم لم تقدم ما يرضى الشعب وطموحاته عقب تضحيات ثورة ديسمبر المجيدة من شعارات وشهداء وإعلان أهداف، فضلاً عن احلام بدولة حرية وسلام وعدالة. وكل ذلك لم تحققه تلك الأحزاب السياسية التي حسمت اي تقدم في اي هدف أو خطة على أرض الواقع لصالحها، أو هكذا كانت ترى.
ويعتقد المراقبون ان هذه الأحزاب، سيما التي مثلت قوى الحرية والتغيير، ابتعدت عن الشارع خلال تجربتها مع الحكم فى الفترة الانتقالية، كما أن اكثر ما أخذ عليها لجوؤها للمحاصصات فى تشكيل مجلس الوزراء وتعيينات الولاة، وكذا البرلمان الذى كان مرتقباً، ويرون ان ذلك كان احد مبررات قادة الانقلاب العسكري، حيث وجه المكون العسكرى سهام النقد للاحزاب السياسية، وفي المقابل أيضاً يضيف المراقبون أنه حتى الشارع الثوري وعبر لجان المقاومة كانت له تحفظات على هذه الأحزاب خاصة بعد إقصائها الشباب الذين انجزوا ثورة ديسمبر، مما يجعل الأسئلة مشروعة حول مستقبل هذه الأحزاب في ظل ما شابها خلال تجربة العامين. ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ظل يؤكد منذ إجراءاته التصحيحية في الخامس والعشرين من أكتوبر على ضرورة استعداد هذه القوى السياسية لصناديق الاقتراع، ليبقى السؤال حول قدرتها على استعادة الشارع عقب التجربة.
تجربة مريرة
وتظل تجربة الأحزاب السياسة وفق متابعين على مر الأنظمة بالبلاد، تجربة مريرة بدأت منذ الاستقلال، حيث دفع الصراع بين الأحزاب رئيس الوزراء الأسبق عبد الله خليل لتسليم السلطة للجيش بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وفي وقت يرى فيه كثيرون غير ذلك. وترى بالمقابل القيادية بالحرية والتغيير وحزب المؤتمر السودانى عبلة كرار ان تجربة الأحزاب السياسية فى الحكم تجربة غير مكتملة أجهضت فى مهدها، واعتبرت خلال حديثها لـ (الإنتباهة) ان هذه نقطة تعتبر أساسية كمدخل لانتقاد تجربة الأحزاب، وشددت فى حديثها على ان التجربة أجهضت فى منتصفها وتعرضت لكثير من التجريف.
وفى ذات السياق كان ايضاً الكثير من الملاحظات على أداء الأحزاب السياسية قبل الثورة وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية، في ان أداءها قبل الثورة كان فعالاً على المستوى الميداني، لكن وعقب تشكيل الحكومة ومشاركتها توقف عمل لجنة العمل الميدانى التابعة للحرية والتغيير التى كان لها دور فاعل فى قيادة الحراك الجماهيرى لإسقاط نظام الإنقاذ، ومنحت احزاب الحرية والتغيير الشارع زخماً كبيراً فى الخروج بعد توقيعها على الإعلان السياسي لإسقاط الانقاذ.
تباعد المسافة
والآن في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكرى فى (٢٥) اكتوبر الذي اطاح بالاحزاب السياسية لقوى الحرية والتغيير الذين وصفوا بالاربعة المسيطرين، لاحظ كثير من المراقبين ان الشارع اصبح يعتمد على نفسه دون الحاجة للدعوات التى تخرج من تجمع المهنيين او الأحزاب المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، الأمر الذى يدل على ان المسافة تباعدت بينهم وبين الشارع الذي بات يقود نفسه معلناً لاءاته الثلاث الواضحة.
وفي هذا الشأن يقول استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد على لـ (الانتباهة) إن مستقبل الاحزاب السياسية في السودان بعد انتقادات الشارع لها، تحتاج فيه الاحزاب لمراجعة برامجها وتقويمها، وان تكون لها القدرة على استيعاب الشريحة الشبابية الواسعة والمؤثرة في هذه الفترة.
واردف قائلاً ان مستقبل الاحزاب السياسية مرهون بالقيام بمراجعاتها واقناع المواطنين من خلال التثقيف السياسي وعدم البعد عن المجتمع وتحسين الصورة الذهنية التي رسمت عنها في الفترة الماضية.
لكن بالمقابل شددت القيادية بالحرية والتغيير عبلة كرار لـ (الإنتباهة) على أنه من غير الصحيح إلقاء العبء الأكبر من اللوم على الأحزاب السياسية، وان الإنصاف اهم من النقد الذاتي للاحزاب, وذكرت أن النقد الذاتي مهم لكن الأهم هو الإنصاف. وأكدت وجود شيطنة كثيرة تتم حالياً للأحزاب السياسية، مقرة فى ذات الوقت بأن بناء الأحزاب بحكم تعرضها لكثير من المضايقات والقبضة الامنية فى ظل الدكتاتوريات لم يكن بالقوة التى تستطيع ان تجابه بها ذات القوة التى تحاول ان ترتد بالحكم للشمولي، غير أنها فى نفس الوقت استطاعت ان تواجه الشموليين اثناء فترة الحكم وعملت على كشفهم وتعريتهم.
تحالف حد أدنى
وفي ذات المنحى أقرت القيادية بالحرية والتغيير عبلة كرار فى إطار تقييم التجربة، بأن تحالف الحرية والتغيير كان تحالف حد ادنى لاسقاط نظام الجبهة الإسلامية، ولم يكن هناك مشروع سياسي واضح التفت او توافقت حوله الحرية والتغيير، وواجهته بالتالى كثير من الصعوبات التى من ابرزها مسألة تشكيل المجلس التشريعي، وأضافت خلال حديثها لـ (الانتباهة) قائلة: (لو تشكل المجلس فى فترة الـ (٩٠) يوماً المقررة، لكان يمكن ان يكون ركيزة من الركائز التى يمكن ان تقاوم التجريف الذى حدث لهذه الفترة، مشيرة الى ان لجنة ازالة التمكين والوزراء الذين ينتمون للاحزاب السياسية قدموا للشارع قبل الانقلاب جرعات كبيرة من الشفافية والوعي جعلته حاضراً فى المشهد السياسي، وكان على اهبة الاستعداد لمواجهة الانقلاب بمجرد ان حدث.
واكدت ان تشكيل المجلس التشريعي والمؤسسات العدلية كان واحداً من جوانب القصور التى لم تستطع انه تتوافق عليها الاطراف السياسية، وأرجعت ذلك الى أن تركيبة التحالف ــ حسب وصفها ــ كانت تركيبة حد ادنى من التوافق، وبالتالى شهدت الكثير من الشد والجذب فى مسألة الاختيار وبالذات فى تشكيل المجلس التشريعي، وذكرت أن المؤسسات العدلية اكثر تعقيداً من المجلس التشريعي لأنها خاضعة اولاً لتركيبة المؤسسات نفسها بحكم التمكين الكبير للنظام البائد، ومن الصعب جداً احداث تغيير جذرى فيها بسرعة، حيث تحتاج لفترة طويلة من الإحلال والإبدال.
واكدت عبلة ان القوى العسكرية كان لها الدور الأبرز فى التعنت وعدم اكمال الأجهزة العدلية، وان اختيار رئيس القضاء والنائب العام مثلاً يتدخل فيه مجلس السيادة بالإجازة، وأكدت ان المسألة كانت خاضعة ايضا لعدم التجانس بين المكونين.
عملية استباق
وفي الوقت الذي حاولت فيه بعض قيادات احزاب الحرية والتغيير العودة للشارع مرة أخرى قبيل حدوث الانقلاب العسكري بعد أن اشتدت الأزمة السياسية عليهم من قبل المكون العسكري، وفق القيادية بالتغيير عبلة كرار لـ (الانتباهة)، شعرت الأحزاب السياسية ببوادر الانقلاب العسكرى، غير أن سيناريو الانقلاب كان قد اعد ونفذ وتم أبعادهم رغم استباق قيادات المكون المدني لاحزاب الحرية والتغيير لخطوة الانقلاب، وذلك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة الأولى التى سبقت انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر عندما استنجد عضو مجلس السيادة محمد الفكى سليمان بالجماهير لحماية الثورة والانتقال، كما نادت لجنة ازالة التمكين شباب الثورة لحماية مقر اللجنة بعد ان سحب المكون العسكرى الحماية الامنية من لجنة التمكين وأعضائها، وحرصت قيادات الحرية والتغيير على المشاركة فى المليونيات الأخيرة بعد خروجهم من المعتقلات، لكن حدث ما حدث، في حين كانت المواقف السياسية كلها متغيرة، بينما ظل موقف الشارع والحراك الثوري هو الثابت الوحيد في معادلة المشهد السياسي الآن. وكشفت عبلة كرار عن ادوار متعددة فى الفترة القادمة للاحزاب، منها إسقاط النظام الغاشم الحالي والانخراط مع الشارع فى الحراك الثورى والإعلان عن إعلان سياسي جديد سينضم اليه كل الحادبين على الديمقراطية.