شهدت الساحة المغربية خلال الأيام الماضية تطورات سياسية مفاجئة ومثيرة جرت على نحو دراماتيكي من أبرز ملامحه ومؤشراته تراجع وانحسار حركة الأخوان المسلمين، ممثلة في واجهتها السياسية “حزب العدالة والتنمية”، وتراجع أسهمها خلال معركة الانتخابات النيابية التي انتهت بتسجيل فوز كاسح للتيارات الليبيرالية اليسارية التي انحاز لها الناخب المغربي، وفي المقابل سقوط مدوي لحركة الأخوان المسلمين التي شهدت تراجعاً كبيراً أدى لتقديم الأمانة العامة للحزب بكامل هيئتها برئاسة الأمين العام سعد الدين العثماني استقالتها بسبب إخفاقها في تحقيق فوز كاسح في التنافس الانتخابي، وحصولهم على نسبة (2%) من جملة الأصوات في جميع الدوائر الانتخابية على مستوى المغرب.
الخرطوم: الهادي محمد الأمين
(1)
ومن اللافت للأنظار أن تراجع وانخفاض أسهم الأخوان المسلمين في المغرب سبقه انحسار وتراجع في بلدان أخرى بشمال القارة الأفريقية؛ مما يعني أن غالبية المنطقة التي كانت وإلى عهد قريب محكومة بأنظمة مرتبطة بالأخوان المسلمين قد حدث فيها ما يشبه “الانقلاب الكامل” لتتغير خارطتها بالكلية بصعود التيارات الليبرالية على حساب جماعات الإسلام السياسي التي نجحت في الوصول إلى الحكم في مصر/تونس والمغرب بعد المرحلة التي تلت ثورات الربيع العربي في العام 2011، لكنها وبعد 10 أعوام خسرت كل منجزاتها التي اكتسبتها عبر التنافس الديمقراطي، وهو الأمر ذاته الذي قد يحدث في ليبيا حال قيام الانتخابات المقرر لها شهر ديسمبر المقبل، حيث تشير التوقعات لتراجع حركات الإسلام السياسي مع تقدم واضح للقوى السياسية الأخرى، المناهضة للأخوان المسلمين في موقف يشبه حالة النكسة للحركات الراديكالية التي دخلت النادي الديمقراطي منذ العام 2011، بدءاً بمصر ومروراً بتونس وانتهاء بالمغرب.
(2)
في العام 2011 أعلنت لجنة الانتخابات المغربية عن فوز حركة الأخوان المسلمين “حزب العدالة والتنمية” الذي يقوده عبد الإله بن كيران بالانتخابات النيابية التي جرت على مستوى التراب المغربي، واكتساح حزب الأخوان المسلمين للانتخابات مما أهله لتكوين حكومة برئاسة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بن كيران الذي ارتبط بشبكة علاقات قوية مع نظام الإنقاذ الذي وفر له الدعم الكامل بعد زياراته المتعددة للخرطوم تحت غطاء المشاركة في مؤتمرات علمية وفكرية ظلت تنظمها تيارات الصحوة والجماعات السرورية بالتنسيق مع الأخوان المسلمين والمؤتمر الوطني، وتم انتخاب عبد الإله بن كيران كرئيس لرابطة الصحافة الإسلامية التي كانت تتخذ من الخرطوم مركزاً ومقراً لانطلاقة نشاطها بدول الإقليم، كما فتح عبد الإله بن كيران لأخوان السودان فرصاً عديدة للتعرف على التجربة المغربية من خلال زيارات متعددة للمغرب، مثلما فتح الباب أمام حركة حماس لتجد لها موطئ قدم بالمغرب، رغم وجود حركة التطبيع بين الرباط وتل أبيب؛ الأمر الذي خلق درعاً أو شريطاً للحركات الإسلامية في دول المنطقة، بدءاً من الخرطوم ومروراً بمصر التي جلس عليها تنظيم الأخوان المسلمين ببناء اصطفاف أو تحالف مع حزب النور السلفي لتشكيل أغلبية ميكانيكية في غرفتي مجلس الشعب والشورى بمصر، ثم امتد التأثير نحو ليبيا بدعم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي يقودها عبد الحكيم بلحاج، الذي كان مقيماً بالخرطوم، ثم حركة النهضة التونسية التي يتزعمها راشد الغنوشي، فالجماعات الأصولية في الجزائر، وتصدير النشاط حتى المغرب التي استراحت على حكم حزب العدالة والتنمية المغربي، حيث كانت الخرطوم راعية لهذا الحراك المكثف حول المنطقة، والممتد من الخليج وحتى المحيط لتشكيل أممية أصولية عالمية، تنامت وصعدت في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي .
(3)
وعوداً على بدء، فإن حزب العدالة والتنمية المغربي استمر في حكم المغرب في دورة ثانية بدأت في العام 2016 ليحصل الحزب للمرة الثانية على التوالي على المرتبة الأولى في معركة الانتخابات، متصدراً نتيجتها بحصوله على (125) مقعداً، بعد خسارة كبيرة مُنيت بها الأحزاب اليسارية المناهضة له والقوى الليبرالية، رغم تعدد واجهاتها وأذرعها السياسية والمدنية لتخسر الانتخابات النيابية، وتؤول الأوضاع فيها لصالح حركة أخوان المغرب الذين استمرت فترة حكمهم لعقد كامل منذ الزمان، قبل أن تهب رياح التغيير التي أحدثت تحولات جذرية كبيرة بالمنطقة، فبعد سقوط نظام الإنقاذ في الخرطوم، والانقلاب على حركة النهضة التونسية، وقبلها إنهاء وجود الأخوان المسلمين في مصر، تجتاح رياح التغيير المغرب، ويتحصل الأخوان المسلمون على (12) مقعداً في الانتخابات النيابية، بخسارة كبيرة أدت لتقليل حجمهم ووزنهم الانتخابي، بما يصل إلى فقدان (90%) من قوتهم الانتخابية مع صعود حزب التجمع الوطني للأحرار بنيله (102) مقعداً أهلته لجلوس رئيس الحزب عزيز أخنوش في الكراسي الأمامية، ليكون رئيساً للوزراء، وتكوين حكومته من عناصر حزبه الفائز في الانتخابات، يليه حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصد (87) مقعداً، ثم حزب الاستقلال اليميني بحصوله على (81) مقعداً، وحزب الاتحاد الاشتراكي بنيله (34) مقعداً، وحزب الحركة الشعبية الذي حاز على (28) مقعداً، وحزب التقدم والاشتراكية بحصوله على (22) مقعداً، وحزب الاتحاد الدستوري الذي كسب (18) مقعداً وحزب العدالة، والتنمية (12) مقعداً، حيث مُنِي بهزيمة مفاجئة وغير متوقعة وسقوط مدوٍ بخسارته لـ(100) مقعد، بعد 10 أعوام قضاها في الحكم، متذيلاً قائمة الترشح تحت قيادة الأمين العام سعد الدين العثماني التي وُصفت فترة حكمه كأسوأ مرحلة حكم في تاريخ المغرب .
(4)
غير أن الخطورة حالياً ليست في خروج حركة الأخوان المسلمين المغربية من النادي الديمقراطي وانحسار حركات الإسلامي السياسي في شمال ووسط وغرب إفريقيا، ثم تمدد القوى اليسارية والليبرالية، لكن الخطورة تأتي في أن خروج حركات الإسلام السياسي من النادي الديمقراطي يتبعه صعود وتنامي الحركات الأصولية والمتطرفة، وتمدد الفصائل الجهادية والإرهابية، وتغلغلها في بلدان المنطقة، وهي تنتهج نهجاً متشدداً ينظر للعملية الديمقراطية وللانتخابات والتنافس اللليبرالي الحر بأنه كفر وخروج من الملة، وأن الفائزين في المعارك الانتخابية ما هم إلا طواغيت، وأن الطريق الصحيح للحكم يعتمد على العنف المسلح والقوة العسكرية، لا على الانتخابات، وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة صناديق الذخيرة، لا قوة الصناديق الانتخابية، على نحو ما حدث في أفغانستان، وهو الخط الذي تتبناه التنظيمات الجهادية ببلدان الساحل والصحراء ودول غرب ووسط إفريقيا بتشكيل أممية أصولية جهادية بنسخة جديدة أكثر تشدداً من النسخة الطالبانية في أفغانستان، وهو الأمر الذي زاد من مخاوف وهواجس الأمين العام للأمم المتحدة أنطيونيو غوتيريش، الذي قال إنهم يخشون من تكرار “السيناريو الأفغاني” في منطقة الساحل بإفريقيا، ونقل نموذج طالبان إلى قلب ووسط القارة الإفريقية، فمما هو معروف فإن تفتيت وتفكيك الحركات الإسلامية التي ترتضي التداول السلمي للسلطة، وانتهاج الخط المدني السلمي، وإيمانها بالديمقراطية سيشفع لصالح التنظيمات الإرهابية التي تركل كل ذلك، وتضعه تحت أقدامها باعتباره رجساً من عمل الشيطان !!…