مقالات

أحمد يوسف التاي يكتب: الخطاب العنصري..

الراى السودانى

(1)

بينما يتطلع الشعب السوداني بعد عناء طويل وآلام وأوجاع ممتدة إلى استقرار سياسي واقتصادي وأمني لتأسيس دولة يتبخترُ فيها القانون، وفيها تُجرْجِّرُ العدالة الاجتماعية أذيالها، وبأرضها يمشي العدل بين الناس مزهواً، وتتيهُ الحقوق المصونة في الفضاءات تيهاً وفخراً، ولكن ثمة مداخل شيطانية وثغرات متعددة تهدد هذه الأحلام والتطلعات، وهل هناك ما يهدد بقاء السودان وطناً موحداً إلا تمدد وانتشار خطاب الكراهية العنصري الذي ما فتئ يُحرِّض ويعبئ بعض المواطنين ضد بعضهم ، ويصوِّر لهم أن فئةً من السودانيين هي التي استأثرت بخيرات بلادهم دون الآخرين واحتكرت مواردها واستولت على نفائسها وهيمنت على الحكم منذ الاستقلال وشيدت المباني والعمارات السوامق من عرق المهمشين والغلابة وكأنّ هذه الفئة من السودانيين جاءت من وراء البحار لتحتل بلاد السودان، هذا الخطاب العنصري البغيض الذي اسرف في عبارات من شاكلة “النخب النيلية“ و“أبناء الشمال“، و“الجلابة“ إذا استمر على هذه الشاكلة التي تنتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي سيكون وحده هو المدخل لحرب اهلية طاحنة، ولعل هذا ما حذر منه رئيس الوزراء في خطابه أمس الأول وسبقه في ذلك حاكم دارفور أركو مناوي الذي ابدى انزعاجاً من خطاب الكراهية… لكن هل يكفي التحذير وحده لكبح جماح هذا الخطاب العنصري الذي بدت نتائجه تظهر بوضوح من خلال الاعتداءات والتخريب والسطو على الأبرياء أثناء الأحداث الأخيرة، خاصة بعد أن ردد المعتدون ذات العبارات العنصرية ليدرك الجميع كم فعلت التعبئة العنصرية بهؤلاء ..    

(2)

اعترف حمدوك في خطابه أمس الأول بوجود تدهور أمني وانتشار واسع لخطاب الكراهية والعنصرية والذي قال ربما يقود المجموعات السكانية إلى نزاعات وحرب أهلية تهدد تماسك البلاد وأمنها، ورأى حمدوك أن الحل لهذه المشكلات هو وحدة قوى الثورة، وأن الخلافات التي سادت بين مكونات قوى الحراك الثوري هي التي تركت الفراغ والثغرات لهذه المهددات، لكن أرى أن خطاب الكراهية وإثارة الفتن والعنصرية والقبلية لا رادع له ولا رادَّ له إلا الحسم القانوني، صحيح أن وحدة قوى الحرية والتغيير مطلوبة لتماسك الجبهة الداخلية وإدارة شؤون الحكم على النحو المطلوب ولكن هذا لن يكبح الخطاب العنصري الذي يتقيأ السموم والأحقاد يوماً بعد يوم وينتشر عبر الفضاء الإسفيري ويغذي النفوس بكل المرارات والأوهام والبغض والكراهية ومزاعم ليس لها أصل..

(3)

الدول التي تتعدد فيها الأعراق والإثنيات والأقليات الدينية والإثنية لن يجد أعداؤها صعوبة في غذوها وحربها وزعزعة استقرارها من خلال زرع الفتن بين مكوناتها المختلفة، فمن السهل أن تقع هذه الدول فريسة بين يدي أعدائها إذا ما تفننوا في استخدام سلاح التدمير الداخلي وهو إشعال نيران الفتنة العنصرية بين إثنياتها وأعراقها وأقلياتها ليدمروا أنفسهم بأنفسهم، فما على الأعداء إلا أن يستخدموا عملاء لهم من تلك العناصر المختلفة للنفخ في كير الفتنة والعنصرية وبث الكراهية وتعبئة البسطاء والمحرومين ليكونوا وقوداً لهذه الفتنة … ومن المعلوم بالضرورة أن التنوع والاختلاف والتعدد العرقي والإثني هو مصدر ثراء وقوة ومنعة للأمم إذا ما اُدير هذا التعدد والتنوع ولهذا فإن  الأعداء غالباً ما يستهدفون مصدر هذه القوة والمنعة وهو هذا التنوع…    

(4)

الخطاب العنصري ونشر الكراهية هو عمل منظم وراءه جهات تستهدف استقرار السودان وتسعى لضرب نسيجه الاجتماعي وتعدده الإثني والعرقي والثقافي، وهناك مأجورون وعملاء ومرتزقة لا شك أنهم قبضوا ثمن بث هذه السموم في شكل تسجيلات عنصرية  لتنفيذ أجندة اسيادهم بالخارج من الذين دفعوا لهم ثمن عمالتهم، وعليه أرى أن الدولة الآن بين أمرين: إما أن تدس رأسها في الرمال وتدع نيران الفتنة العنصرية وخطاب الكراهية لتعبئة النفوس الضعيفة وزرع بذور الأحقاد، أو أن تجابه هذا العمل المنظم بسن تشريعات رادعة وقاسية تصل عقوبتها الإعدام الذي يستحقه كل من يريد أن يفرق الجماعة ويزرع الفتن والكراهية والعنصرية البغيضة… على الدولة أن تسن تشريعات تُجرم التسجيلات العنصرية وخطاب الكراهية وتصل إلى كل من يبث تسجيلاً عنصرياً وإلى كل من ينشر خطاباً يدعو إلى الكراهية وتحاكمه بهذه الجريمة النكراء…. فبدلاً من تشريع القوانين الإباحية وإلغاء القوانين التي تنظم حياة الفرد المسلم وهو راضٍ بها، شرّعوا القوانين التي تحفظ استقرار البلاد وأمنها وتردع العنصرية والتشظي والفتن… أيهما أولى سن قوانين تبيح شرب الخمر والميسر، والتمكين لسيداو وإلغاء قانون الأحوال الشخصية للمسلمين أم إصدار تشريعات تسد كل الثغرات والمداخل التي توشك أن تقود الجميع إلى حرب أهلية… هذا اللهم هذا قسمي في ما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى