مقالات

أحمد يوسف التاي يكتب: إذن استعدوا للمجاعة الطاحنة

الراى السودانى

(1)
شبح مجاعة طاحنة أراه يلوح في الأفق القريب، معطياته كلها قد تحققت الآن تماماً وعلى نحو لم يساورني فيه أدنى شك خاصة بعد تحرير وقود الزراعة وبصورة مباغتة مع بداية الموسم بعد أن سدد المزارعون رسوم الأرض مضاعفةً توطئةً لتسليمهم الجازولين، ولهذا أقول شبح المجاعة قد لاح فعلاً، لكن ومع ذلك يوجد مخرج ضيِّق جداً لإنقاذ البلاد من هذه الكارثة التي صنعتها الحكومة …قبل أن أشير إلى المخرج الضيِّق، لا بد أن نستعرض معطيات شبح المجاعة القادمة والتي أتوقع ما أن أناخت بكلكلها على الشعب السوداني سوف لن تبقي ولن تذر، وسوف تكون نتائجها وخيمة، وانعكاساتها كئيبة وتأثيرها شاملاً…
(2)
في مثل هذه الأيام كان المزارعون في قطاع الزراعة المطرية بشقيها التقليدي والآلي (داخل وخارج التخطيط) في ولايات القضارف وكسلا ،الجزيرة، النيل الأبيض ،سنار والنيل الأزرق، جنوب كردفان، غرب كردفان ،جنوب وغرب وشمال دارفور إلى جانب القطاع شبه الآلي المطري في الخرطوم، في كل تلك المناطق كان المزارعون في مثل هذه الأيام يكملون التحضير للموسم الزراعي وتبدأ أولى خطوات الاستعداد للزراعة بالحصول على الجازولين الذي توفره الدولة بمبلغ لا يتجاوز الـ “2” ألف جنيه للبرميل حتى الموسم الماضي، والآن الدولة حررت سعر جازولين الزراعة بصورة مباغتة ومفاجئة لجميع المزارعين ليصل سعر البرميل”75″ ألف جنيه، وفي مناطق “80” ألف جنيه أي أن سعره تضاعف “40” مرة… هذا بالإضافة إلى الارتفاع الخيالي في أسعار التقاوى المحسنة والإسبيرات وزيوت الديزل والشحوم والتي تضاعفت أسعارها مابين 30 إلى 40 مرة، فضلاً عن ارتفاع أجور عُمال الزراعة…
(3)
الفاجعة الكبرى أن أسعار الذرة الآن لم تبارح مكانها بسبب سياسات الدولة المتعمدة (غياب السعر التركيزي) حيث ظلت اسعار الذرة على ما هي عليه قبل ستة أشهر، وعليه فإن المزارع الذي يدخر الذرة لمقابلة الموسم الجديد كما تجري العادة سابقاً فإنه لن يغامر ببيعها للدخول في هذا الموسم، لأن أي محاولة لدخول الموسم الزراعي في مثل هذه الظروف تعتبر محاولة “انتحار” بكل تأكيد ولا أقول مغامرة لأن المغامرة تحمل احتمالين إما النجاة وإما الهلاك، لكن الزراعة هذا الموسم وفي ظل هذا (الفخ) الذي نصبته الحكومة بامتياز للمزارعين فهو الهلاك المحقق، إن لم تتراجع عن سياستها..
(4)
تأكيداً للغة الأرقام التي أتحدث بها عن تكاليف الموسم الزراعي لهذا العام ، وبوصفي أيضاً مزارعاً، فإن كثيراً من المزارعين الآن لجأوا إلى تأجير الأرض ، أو بصورة أدق الآن يبحث المزارعون عمن يستأجر أراضيهم الزراعية بدلاً عن زراعتها، ولكنهم للأسف لن يجدوا حتى من يستأجرها… لأن الموضوع وببساطة شديدة أن الألف فدان يتم استئجارها بمبلغ مليون ونصف المليون، فإذا أراد المزارع زراعتها فإن تكلفة الجازولين للحرث فقط ستصل إلى مليوني جنيه (كسر وزراعة) هذا من غير تكاليف الزيوت والشحوم والإسبيرات والعمال والتقاوى، أليس من الأفضل للمزارع أن يستأجر الأرض (هذا إن وجد انتحارياً شليقاً)…
(5)
إذا فشل الموسم الزراعي المطري بسبب عدم قدرة المزارعين على الدخول في هذه العملية الانتحارية هذا ربما يعني أن مابين 70 إلى 80 % من الأراضي الزراعية لن تتم زراعتها، أتوقع وبحسب هذه العقبات الكبرى التي وضعتها الحكومة أن تتقلص مساحات الزراعة الآلية المطرية، إلى (4) ملايين فقط من جملة الـ “20” مليون التي تشغلها الزراعة المطرية في السودان … هل أدركتم حجم الكارثة التي تقودنا إليها الحكومة، فأي حكومة هذه التي تضع المتاريس أمام المنتجين والمزارعين بدلاً عن حمايتهم وتشجيعهم وتحفيزهم … في رأيي وبحسابات واضحة ودقيقة أن المخرج من هذه الكارثة التي ستأتي بطعم المجاعة الكاسحة هو التراجع الفوري عن تحرير وقود الزراعة وإعلان سعر تركيزي مغر للمزارعين وإلغاء الضرائب والرسوم الخاصة بمدخلات الإنتاج، وإلا فالرماد كال الجميع وليس حماد وحده… هذا اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى