الراى السودانى
جنة الشوك
جمال علي حسن
منذ سقوط نظام البشير اتسم الفصل الجديد على خشبة المسرح السياسي والسلطوي ، بمحتوى أداء بالغ التعقيد يعتريه الكثير من الغموض مابين تكتيكات القوى السياسية والحزبية وصراع الواجهات السياسية ، وسباق بسط النفوذ والتمكين الداخلي بين مكونات تحالف الشركاء الذين لم يكن يجمع بينهم إلا هدف واحد فقط هو إسقاط البشير وزوال حكم الاسلاميين .
في ظل هذا المشهد السياسي المضطرب كان الانطباع العام حول شخصية القائد حميدتي بحكم طبيعة تكوينه الثقافي والاجتماعي بأنه رجل سوداني بدوي وتلقائي يتمتع بالذكاء والوضوح والمباشرة والشجاعة ، وهو ما جعل حميدتي يفهم أن بساطته وتلقائيته برغم ما فيها من عدم ترابط في الأفكار واتساق في المضمون لكنها هي الميزة التفضيلية التي تجعل منه ( سياسي الشباك ) في تلك المرحلة وذلك لأن الجميع كانوا يرغبون في فهم ما يحدث و فك شفرات الأحداث الغامضة ومعرفة توجهات السلطة وتوجهات البلد ككل ..
وفي اعتقادي أن وعي حميدتي بهذه الحقيقة دفعه لمحاولة استثمارها وتوظيفها في عملية غسل الشخصية واعادة تسويق نفسه للرأي العام خاصة بعد أحداث فض الاعتصام .
فصار الرجل يجلس تحت ظل لافتة نصبها في موقع مستقل مكتوب عليها ( زمن الغتغتة والدسديس انتهى ) ..
وفي كل مرة يخرج حميدتي ليسحب قدراً كبيراً من رصيد تلك الدهشة بسبب تكرار نفسه ومحاولة ابعاد نفسه عن تحمل مسؤولية تل الفشل التام للحكومة والذي صار يعلو ويعلو ويتضخم كل صباح .
حميدتي يخرج بالأمس ويقول ( نحن خجلانيبن من الناس ) وهو نوع الإقتراب نحو الاقرار بالمسؤولية بغرض الإبتعاد عنها في الوقت نفسه ..!!
حميدتي يتحدث عن العلمانية فلا يخرج المتلقي لحديثه بأية جملة واحدة مفيدة .. هل أنت مع أو ضد أو مع وضد أم ماذا .. ؟!
حديث الرجل وتلويحه بأنه سيكون أول المجاهدين لو تم منع الناس من الصلاة والزكاة والصوم .. مثل حديث من يقول لو حاول أحد الناس إطفاء ضوء الشمس بيده لقطعناها له على الفور ..!!
لأنه لا أحد يحاول اطفاء ضوء الشمس وبالتالي فإن خلاصة حديث الوضوح والتلقائية والبساطة والجرأة وعدم الغتغتة هنا يعني صفراً كبيراً .
حميدتي يحتاج إلى أن يخرج للرأي العام بمواقف واضحة تجاه القضايا التي ظل يتحدث فيها لأنه ببساطة يمثل طرفاً رئيسياً في السلطة ويمتلك القرار وبالتالي فإن محاولة اختيار موقع النقد للحكومة بغرض إثبات الوضوح والجرأة والبساطة والتلقائية فقط لم تعد مفيدة له ولا للبلد .
بل هي محض محاولة ( للإقتراب بغرض الإبتعاد ) .
الرجل يحتاج إلى أن يجلس بجوار مستشار حصيف وصادق معه لمشاهدة خطاباته السابقة .. كلها ودراستها ليعرف أن ما يقدمه من خطاب سياسي لم يعد يوصف بأنه خطاب الوضوح والتلقائية والصدق التام مع الرأي العام بل صار وبكل صراحة مجرد خطاب مراوغة ودخول من أبواب الخروج .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
صحيفة اليوم التالي