الراى السودانى
* ناشدنا دولة رئيس الوزراء أن يولي كامل عنايته للقطاع الزراعي، وأن يوجه كل إمكانات الدولة للنهوض بالنشاط الاقتصادي الأول لسكان البلاد.
* أكدنا أن خلاص السودان من الأزمة الاقتصادية الخانقة مرهون بموسم زراعي وحيد؛ يدار بطريقة استثنائية، ويتم فيه تمويل المزارعين بتوفير الآليات ومدخلات الإنتاج لهم بالمجان، أو بشروط مُيسَّرة للسداد.
* يوم أمس الأول قرر الدكتور عبد الله حمدوك إنشاء محفظة للتمويل الزراعي، وأعلن دعم الدولة للقطاع الزراعي، من خلال استخدام التقنيات الحديثة والاهتمام بالصناعات التحويلية.
* حدث ذلك على هامش المؤتمر الزراعي المنعقد هذه الأيام تحت شعار (نحو سياسات واستراتيجيات شاملة للنهوض بالقطاع الزراعي)، وفيه ذكر رئيس الوزراء أن سبعين في المائة من سكان السودان يعتمدون في معاشهم على الزراعة، ودعا إلى تعظيم العلاقات والشراكات بين القطاعين الزراعي والحيواني.
* غني عن القول إن أبرز مشكلة تواجه القطاع الزراعي في بلادنا تتمثل في ضعف التمويل، بسبب اتجاه المصارف التجارية إلى تمويل قطاع الخدمات، مع أنه لا يسهم إلا بنسبة (30%) من الدخل القومي للسودان.
*في إثيوبيا – القريبة – لا يوجد بنك زراعي، لأن كل البنوك هناك ملزمة بدعم الزراعة، بل تخصص غالب تمويلها لها، بينما تنصرف بنوكنا إلى تمويل الخدمات، وعندما تفعل (على مضض) تمتنع عن تمويل صغار المزارعين، وتطالبهم بضمانات لا تتوافر لهم، مع أنهم يمثلون 60% من العدد الكلي للمزارعين في بلادنا.
* في بلاد الأحباش يتم استيراد المدخلات الزراعية من تقاوي وأسمدة ومبيدات وآليات زراعية بعطاءات عالمية، تُطرح في تواقيت مُحكمة، بمعزل عن السمسرة والفساد المستشري عندنا، لتوفر للحكومة ميزة الشراء بأقل الأسعار، وتتيح للمزارعين استخدام تلك المعينات لتحسين إنتاجهم، بعد وصولها إليهم في الوقت الصحيح، وفي السودان يتم الاستيراد بطريقة (الترزي يوم الوقفة)، ويسيطر الفساد على سوق مدخلات الإنتاج الزراعي.
* في بلادنا تحتكر بضع شركات استيراد الخيش والسماد والمبيدات، بفساد مشهور، واحتكار قبيح، ُمارس بطريقة شيلوك المرابي، على عينك برعاية الدولة وكامل رضاها.
* لنا عودة خلال الأيام المقبلة لواحدة من قصص الفساد الجديد، في ملف استيراد مدخلات الإنتاج الزراعي.
* في إثيوبيا لا تشغل الدولة نفسها بالتنقيب عن البترول والمعادن، لأنها تعلم أنها تمتلك الأقيم، فتحصر همها في ما يليها، وتدعم الزراعة بغالب الميزانية، وتجتهد في تمويل الصادرات عبر بنوك منصرفة لدعم النشاط الأكبر للسكان، وفي السودان انحصرت نسبة تمويل الصادرات في (2%) فقط من جملة التمويل البنكي في السنوات الماضية، مقارنة بـ16% خصصت لقطاع البناء والتشييد، و13% لقطاع التجارة المحلية، و18% فقط للزراعة!
* تم تطبيق تجربة (المحفظة) لتيسير استيراد السلع الاستراتيجية، فكانت المحصلة وبالاً على البلاد، باحتكارٍ قبيحٍ، وفشل ذريع في توفير السلع التي أوكلت مهمة استيرادها إلى المحفظة.
* الحل لا يكمن في تجريب المُجرّب، لأن إنشاء محفظة لتمويل الزراعة سيشكل محاولةً فاشلة لإعادة اختراع العجلة، وترسيخاً للفساد الذي تحول إلى غول حقيقي يلتهم غالب مقدرات الدولة.
* سيتحسن حال الاقتصاد ويزدهر أداؤه، وتزول عثرته إذا أجبرت الدولة البنوك على تخصيص (80%) من نسبة التمويل المصرفي للقطاعين الزراعي والحيواني والصناعات التحويلية المتعلقة بالنشاطين.
* لا يوجد أدنى عُسر أو مشقة في تحويل ذلك الحلم إلى واقع، إذ إنه لا يتطلب إلا قراراً صارماً يصدره البنك المركزي لكل المصارف التجارية، ويتابع تنفيذه بدقة، ويحاسب أي بنك لا يلتزم بتنفيذه.
* إذا حدث ذلك فستنهض الزراعة من كبوتها، ويصحو معها المارد الأسمر من غفوته الطويلة، ليستحق لقب (سلة غذاء العالم) حقاً لا ادعاءً.
* ننتظر من رئيس الوزراء، المتخصص في الاقتصاد الزراعي، ومن وزير المالية، ومحافظ البنك المركزي أن يتبنوا ذلك التوجه من فورهم، وأن لا يهدروا وقتهم في محاولة إنشاء محفظة لن يكتب لها النجاح، لأن مصيرها سيكون شبيهاً بمصير (سيئة الذكر).. محفظة السلع الاستراتيجية التي علمت السودانيين قيام الليل بلا صلاة، وأحالت البلاد بطولها وعرضها إلى صفوفٍ لا تنقضي إلا لتستطيل من جديد.
* ألزموا البنوك بتمويل الزراعة لتزدهر الحقول وعداً وسعداً وتمني، ونكف عن مد (القَرَعَة) للمانحين، وتعود يدنا العليا بعد طول غياب.
مزمل ابو القاسم