غير مصنف --

ترشيح تراجي مصطفى لمنصب وزير بالحكومة الجديدة

ترشيح تراجي مصطفى لمنصب وزير بالحكومة الجديدة

مجموعة من شباب شرق السودان دعوا لتولي الأستاذة تراجي وزارة التعليم..
في الحقيقة تراجي امرأة استطاعت بإرادتها أن تكون على قمة الصوت النسوى حتى الآن. النساء اللائي تم وضعهن في خانات السلطة كن ضعيفات جداً، رغم الجهود الفاشلة لتلميعهن، لكنهن لم يكن قياديات.
أما تراجي فقد خلقت لنفسها شخصيتها الخاصة، كاريزمتها، بدون اي دعم، سوى ذكائها، وقوة عزيمتها، حتى اضحت شخصية قومية. لقد لفتت تراجي نظري منذ اكثر من خمسة عشر عاماً حينما دعت للتطبيع مع إسرائيل. في ذلك الوقت كان أقوى رجل في السودان يعجز حتى عن مجرد الإشارة لهذه القضية. وأدركت حينها بأن هذه المرأة أكثر ذكاء مما يجب. وضعوا خطوطا عديدة تحت كلمة (مما يجب) هذي.
لا أعتقد بأن مجموعة القحاطة ستقبل منحها أي وزارة، بل ولا حتى المجموعة العسكرية، ففي السودان، يخاف الجميع من الاقوياء، ويفزعون اكثر من المرأة القوية مثل تراجي.
هناك أذكياء كثر تم تهميشهم في السودان خوفاً من أن يركبوا على سرج السلطة. وكان ذلك التهميش المتعمد سبباً لدمار كل مؤسسات الدولة، فأذكى مهندس ماهر في الكهرباء يتم إقالته، واذكى طبيب يتكالبون عليه لإقصائه من وزارة الصحة، وأفضل قانوني يتم استبعاده تماماً من اي منصب عدلي وهكذا..فامتلأت الوزارات بالمحاصصات عبر شخصيات شديدة التفاهة وضيعة المخيلة، ركيكة النطق والمنطق.
لم يكن ذلك وليد حكم القحاطة، بل حتى في عهد الكيزان والدموقراطية الثالثة بل ونميري وعبود وحتى الاستقلال. لقد ظل الشخص الذكي محل عداوة وخوف من الآخرين. وهذه خصلة لازمت حتى الصبية في المدارس، فالتلميذ الشاطر يتعرض للتنمر المستمر من التلاميذ الأغبياء.
إن مشكلة هذا الشعب هو أن من يستطيع تحمل فساد ووساخة بيئة الصراع حول الأضواء هم أسافل القوم ورعاعهم. ولذلك لم يحدث حتى اليوم أن حكمنا مسؤولون (ملوي هدومهم) ولا رجال دولة حقيقيين، ودونكم حكومة القحاطة منذ سنتين وحتى الآن، وهي أكثر سوءً من حكومات الكيزان بمراحل شاسعة. فشتان بين ناشطين حقوقيين لا يعرفون شيئا عن الحقوق ولا فلسفتها، وبين حكومة الكيزان الذين اغلبهم نالوا حظاً واسعا من العلم والعمل على سوئهم. فسوء الكيزان ناتج عن ثقافتهم السودانية وهي ثقافة لم تعتق منها أحداً منذ المهدية وحتى اليوم. فالكيزان لم يأتوا من المريخ، ومثلهم الشيوعيون والجمهوريون وغيرهم، فهم في السوء سواء بسواء. ولا خير فيهم اجمعين إلا إن استطاعوا أن يغيروا ما بأنفسهم وهذا أقرب للمستحيل.
لذلك لا أتوقع أن يقبل الممسكون بزمام الأمر وجود تراجي بينهم، فهم يخشونها وهي بلا سلطة فما بالهم لو كانت صاحبة سلطة.
مع ذلك، فما الذي يمكن أن تضيفه تراجي لمثل وزارة التربية والتعليم؟ أعتقد أنها تمتلك خاصية متميزة وهي القدرات القيادية، هذا بالإضافة إلى شهادتين جامعيتين من السودان ومصر وطلاقة في اللغة الإنجليزية، مع معرفتها الواسعة بقبائل السودان وتنوعهم الإثني والسوسيولوجي. هذا فضلاً عن أنصارها الكثر في شرق السودان. وإن كانت هذه الخاصية الاخيرة هي نفسها ما قد يثير خوف الكثير من القحاطة ويزيدهم فزعاً.
لقد حرك القحاطة من أولاد مو إبراهيم المجموعات النسوية تحت دعاوى تحرير المرأة، لكنهم في الواقع لم يستخدموا نساء قويات، بل ضعيفات جداً، وهذا تناقض طبيعي بين القول والعمل وجدناه في سائر أفعال واقوال حكومة الحمام الغمران. هم دعوا لأربعين في المائة للمرأة في البرلمان، لكن امرأة واحدة كتراجي لن يتحملوا وجودها في مقعد وزاري. يستطيعون التعايش مع الحركات التي تستخدم السلاح المعدني، لكنهم سيخافون من امرأة تستخدم رصاص الكلمة.
لذلك يمكننا ان نفهم لماذا يتحسس الكثير من السياسيين مسدساتهم عندما يسمعون كلمة مثقف.
السيد وزير العدل جاء بصديقته الخواجية من منظمة هيومان رايتس ووتش وعينها مستشارة في الوزارة، وهي بالتأكيد لن تأخد مرتبها بالجنيه السوداني، بل بالدولار، وحتى بالدولار فلن يقل عن خمسة آلاف دولار اي ملياري جنيه في الشهر..وكأنما صديقته هذه لا يوجد مثلها في السودان. والآن يعقد اتفاقات مع امريكا بملايين الدولارات لترجمة القوانين السودانية، رغم وجود جامعة الخرطوم بخريجيها من كليات الآداب قسم اللغة الانجليزية بتخصصاتها المتعددة. وبدلاً عن توفير فرص عمل لهم سيوفر فرص عمل للأمريكان، وسيأتي الأمريكان ولن يضيفوا أي شيء للبلد ولا لقوانينها.
والسيد رئيس الوزراء جاء ببعثة خواجات كاملة لتدير الدولة، كوصاية أجنبية، وهو بذلك يكون قد أدى مهمته المطلوبة منه، والأسوأ أن الكثير من السودانيين لا يشعرون بمعنى سيادتهم على وطنهم إن كانوا يفهمون معنى الوطن.
هذه رقعة جغرافية شديدة البؤس، يبحث الجميع فيها عن مأكلة ولو عن طريق الجاسوسية والعمالة. وسيدرك الشعب بعد سنين عدداً أنهم ضيعوا بلدهم وضيعوا أهلهم واسرهم بل وأنفسهم..بما كسبت أيديهم وبأنهم لا يعقلون.

بقلم: د.أمل الكردفاني

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى