في كسلا المدينة قرر الشباب أن يمسحوا أحزان الأيام الفائتة بموتها وهم المؤمنون بأن نحن فقط بإمكاننا رسم لوحات الحياة.. الحياة التي غادرت طبيعتها وفتحت مسارات الموت في السوق الأسبوع الماضي الذي تحول الى كومة رماد بفعل عمليات التدمير والحريق والخراب عقب ازدياد حدة الاختلافات بين مكونات اجتماعية حول تسمية الوالي صالح عمار المدعوم من فريق والمرفوض من فريق آخر إلا أن فريقا ثالثا قرر المسير في طريق كونه يحب هذه الأرض ويردد بينه وبين روحه (هذه البلاد نحبها وإن كانت خرابا هذه البلاد تخصنا بحروبها وبجياعها وبصمتها المكسور في لين الفراغ تخصنا ونخصها بالعمل وبترميم جراحها)
1
كسلا التي كانت ترسل لنا في الأسبوع الفائت صور الخراب الدماء وغياب الأمن وصور الخوف من القادم تأتينا في صباحنا الجديد بصورة اخرى لشباب يحملون في أياديهم أدوات البناء يعيدون ترميم المكسور في السوق في الدكاكين وفي الطبالي وبالطبع يمهدون الطرق للعبور في داخله لأهالي المدينة التي بدأت تستعيد عافية الحياة عقب أيام المواجهات وذلك بالتزامن مع التوقيع علي اتفاق للسلام في العاصمة جوبا وفي الذكري السنوية لتحرك موكب كسلاوي في اتجاه بورتسودان لنزع فتيل النزاع بين النوبة والبني عامر كان الجميع يحتفي بصور الفعل الجديد في المدينة وهو يردد: (هذه البلاد لن تعود للوراء والثورة ستمضي في طريقها لتحقيق أهدافها)
2
وفي سؤالك: من هؤلاء الذين ينشطون منذ ثلاثة أيام في عمل دؤوب لأجل استعادة الحياة في المدينة؟ الإجابة ببساطة هم شبابها ممن يعرفون أن الثورة في تعريفها النهائي تعني استمرارية البناء وعدم اليأس، يقول ل(اليوم التالي) عبد الإله خليفة أحد الفاعلين في المبادرة إن المبادرة انطلقت عبر غرفة طوارئ شباب كسلا وهي غرفة تم تأسيسها من أجل مواجهة تداعيات وباء كورونا انطلقت التساؤلات حول الكيفية التي بإمكانهم المساهمة عبرها في استعادة الحياة بالمدينة وتم الاختيار بأن ينطلق الجميع من السوق عبر حملة لإزالة ركام الأحداث وإصلاح ما يمكن إصلاحه يقول إنهم أعلنوا لذلك عبر وسائط التواصل الاجتماعي وحين وصلوا كانت الاستجابة فوق التصور وتحديداً من سكان الأحياء المجاورة للسوق.
3
يواصل إنهم جاءوا مدفوعين بضرورة أن يكون لهم دور في تصفية النفوس وفي إعادة الناس الى جادة الحياة وبعد أن ابتدروا عملهم كانت الجموع كلها هناك.. يتشاركون إزالة الأنقاض ويعيدون ترميم المكسور.. جاء عمال اللحام بأدواتهم بينما انخرط كثيرون في طلاء أماكن الحريق بالبوهية واستطاعوا أن ينجزوا حوالي 50 % من أعمال الصيانة. وحول التمويل يقول عبد الله: في ميزانية شباب الطوارئ كانت هناك أموال قاموا باستخدامها بينما كان الجزء الأكبر هو ذلك الذي جاء به المتبرعون ويكشف أيضاً عن دور كبير قامت به المحلية في هذا الجانب مما يعزز فرضية أننا مع بعض باستطاعتنا العبور وتحقيق ما نصبوا اليه.. في حديثه يشير عبد الإله لتأثيرات هذه الخطوة على المتضررين من الأحداث الأخيرة والطريقة التي استقبلوهم بها فقد أكدت أن روح المدينة القديمة بالإمكان استعادتها وببساطة تشبه بساطة من يتبرع باستطاعته من سكان الأحياء القريبة.
4
بالخرطوم أطلقت مبادرة مبادرون من أجل التعايش السلمي كسلا (معاك) عملها بتسلم عضو مجلس السيادة الأستاذ محمد الفكي سليمان الوثيقة الشعبية المجتمعية لمجابهة ومحاربة القبيليه والجهوية وأكدت الوثيقه تفعيل نيابة المعلوماتية وتفعيل دور التعايش السلمي وحق المواطنة في الحقوق. وعبر الفكي عن دعمهم المبادرة مبديا إعجابه الكامل بالفكرة ومؤمنا على ضرورة ما حملته الوثيقة. وتحدث المبادرون عن طبيعة شرق السودان ومجتمعات كسلا المترابطة كما طالب أفراد المبادرة ضرورة التنسيق مع منظمات المجتمع المدني لتوجيه الدعم للريف بتمليك إنسانه وسائل الإنتاج والتدريب. وأكد الجميع على ضرورة فرض الدولة هيبتها والعمل على إعادة النسيج الاجتماعي للمنطقة وبسط الأمن وتفعيل نيابة المعلوماتية ومحاربة خطاب الكراهية. وتعتبر مبادرون من أجل التعايش السلمي كسلا مبادرة مجتمعية قام بها أبناء وبنات كسلا داخل وخارج السودان لنبذ الاصطفاف القبلي والعمل على سلامة النسيج الاجتماعي.
5
ما جرى في الخرطوم أيضاً يؤكد أنه لا طريق غير السير في اتجاه تحقيق السلام بتجاوز جراحات الماضي وتراكماتها لكن المختلف في كسلا هو أن من ينهي النزاع هم المتضررون منه في المقام الأول لذلك انطلق شباب كسلا في عمليات ترميم السوق وهو ترميم يتجاوز المباني الى المعاني نفسها المعاني التي لم يتركوها في أي لحظة وفي ظل المواجهة كان صوتهم العقلاني يخرج بأنه لا خيار سوى التعايش وأن هذه الارض تسعنا جميعنا بينما الرسالة في معناها التخير تقول عبارة واحدة إن الأيادي التي صنعت ثورة قادرة علي بناء اعظم دولة وسودان الحرية السلام والعدالة يبدا في قلوب شبابه ومن بعده ينداح في كل الجغرافية مثل اندياح حملة الترميم التي لن تقف فقط في سوق كسلا الكبير وإنما ستتجاوزه نحو أسواق أخرى وأماكن مختلفة لتترك لمن كانوا يخافون من مصير المدينة بترديد عبارة: شباب كسلا الله فوقهم.
الخرطوم ” الزين عثمان
صحيفة : ( اليوم التالي)