السودان اليوم:
كثر الحديث حول تدخل دول المحور (الإمارات السعودية ومصر) في شئون السودان الداخلية بشكل سافر، لدرجة فرضهم أسماء بعينها ضمن الوفد المفاوض في ملف سلام جوبا.
المواطن السوداني بات أكثر وعيا بما يدور خلف الكواليس من إتفاقيات وقعتها بعض الأطراف الحكومية مع هذه الدول بغية فرض وجودها كأمر واقع لا مفر منه.
فهو شعب عرف عنه أنه غير محب لفرض سياسة الأمر الواقع، وإن صبر عليها ثلاثين عاما وثار عليها بقوة في ثورته المجيدة، مؤكد لن يتقبلها مرة أخرى وإن جاءته في طبق من ذهب بعد أن تذوق طعم الحرية والإنعتاق من حكم الديكتاتوريات وسياسة فرض الوصاية وليَ الذراع.
الإمارات والسعودية تمارسان بدبلوماسية متناهية ذات سياسة الوصاية الناعمة مع الشعب السوداني، تشارك في مفاوضات السلام بصورة غير مباشرة، وترسل التهاني والتبريكات، وتدعم ببعض شحنات القمح والوقود وترمي (ببعض النقود) لفك ضائقة الشعب السوداني وسد حاجته من المواد الغذائية الأساسية، وفي ذات الوقت تضرب فيه بعنف من الخلف بغرض إضعافه ومن ثم السيطرة على موارده وثرواته (السايبة)، وأكبر دليل على سوء نوايا هذه الدول هو تعمدها (الإضعاف الممنهج) لسوق الصادر بشكل عام والماشية بشكل خاص، والسعي لبواره وإلحاق الخسائر الفادحة بهذا القطاع الهام جدا في تنمية الإقتصاد السوداني والذي تعتمد عليه الدولة بشكل أساسي كقطاع إستراتيجي.
العالم جُله يعلم مدى قوة السودان متى ما فاق من إشكالاته المصنوعة بأيدٍ خارجية وداخلية، وهذه القوة متمثلة في ثرواته النفطية والمعدنية والزراعية والمائية والحيوانية بجانب ثرواته السمكية غير المستغلة بشكل إيجابي، والأهم من كل ذلك الثروة الطبيعية المتمثلة في الموانئ المطلة على البحر الأحمر.
هذا السلاح المهول، فتح شهية هذه الدول وجعل من السودان هدفا إستراتيجيا يتحتم معه إخضاع البلاد لسيطرتها بشكل أساسي، وهذا لن يتم إلا بسياسة (العصا والجزرة).
فظاهرة إرجاع صادرات السودان الحيوانية والزراعية بهذه الصورة المتكررة والتي لا تمنح قطاع الصادر فرصة لإستيعاب ما حدث أو حتى تعويض الخسائر المتلاحقة، لا تعني سوى إخضاعه لسيطرتها وإجباره على الإستسلام ومن ثم تنفيذ كل المطلوب للخروج من أزمته بأقل الخسائر ولو أدى ذلك لمغادرة هذا السوق وإلى غير رجعة لتخلو لدول المحور الساحة في إختيار العناصر الرخوة التي تدير السوق وفق أهوائها وتجد ما يشبع نهمها تجاه السودان، ما يعني بالدارجي (تفلق وتداوي).
كافة الضغوط التي مورست على المواطن السوداني والتضييق عليه في معيشته والسعي الحثيث لتجويعه، وإيصاله مرحلة اللاعودة، وفقدانه الثقة تجاه حكومته التي إختارها بملء إرادته، كل تلك الأسباب نجد أيدي تلك الدول ضالعة فيها بشكل كبير، وينطبق ذلك أيضا على قطاع الإستثمار، حيث وصل مرحلة كساد غير طبيعي ولم يحدث من قبل، وأضحى ظاهرة مثيرة للتساؤل خاصة بعد إنقشاع أزمة الثقة بين الحكومة والمستثمرين الأجانب بسقوط حكومة الفساد المالي والتي كانت أحد أسباب هروب المستثمر الأجنبي نتيجة الضغط عليه بكثرة المنصرفات من ضرائب وجمارك و(كوميشنات) والتي يجد نفسه معها في نهاية المطاف (مديونا).
خلاصة القول أن ما يحدث من أزمات ليس نتاجا لأخطاء الحكومة المتكررة وحدها، وهي الأخطاء التي تحدثنا عنها كثيرا في هذه المساحة وطالبنا بإصلاحها فورا، ولكنه أيضا نتيجة لسياسات وضغوط حكومات دول غير راشدة ديبلوماسيا، وأيد سودانية عابثة تفتقد للحس الوطني والإنساني.
لذا فاليقظة التامة لكل ما يُحاك خلف كواليس السياسة هو المطلب الحقيقي في هذه المرحلة، ورفض سياسة جوَع كلبك يتبعك التي تمارسها دول المحور مع شعب السودان، ما عادت مجدية، فالشعب الذي رفض ذات السياسة من أبناء جلدته، مؤكد سيرفضها بل ويلفظها من دول خارجية مهما بلغ شأنها وعظمت مكانتها.
The post جوَع كلبك يتبعك.. بقلم هنادي الصديق appeared first on السودان اليوم.