السودان اليوم:
الحفل الذي تمت فيه التوقيعات بالأحرف الأولي في مدينة جوبا بين المفاوضين الذين يمثلون طرف الحكومة ووفود الأطراف التي تمثل الجبهة الثورية والحركات المسلحة والتيارات وبثته الإذاعات والفضائيات بثاً مباشراً وتابعناه من البداية حتي النهاية وكان الموقعون ومن حضروا في معيتهم في حالة ابتهاج وفرح وسرور ولا جناح عليهم في ذلك لأن ما جرى كان أشبه بيوم عرس وليلة زفاف ولسان الحال يردد هذه ليلة عمري وحلم حياتي .. وبعد التوقيع النهائي سيتم اعادة تشكيل السلطة السيادية والتنفيذية والتشريعية والولائية واعادة توزيع المواقع بين السابقين واللاحقين الموقعين وسيؤدي هذا بالتأكيد لتقليص نصيب مكونات قحت داخل السلطة ولعل هذا يؤدي لأخذ ورد وشد وجذب حول اقتسام بقية الكيكة التي نقصت أما القادمون الجدد للسلطة من الحركات المشار إليها فان اقتسام المواقع التي تليهم يقتضي محاصصة داخلية قد تحدث منافسات حادة بينهم وصراعات داخل كل حركة وعليهم جميعاً أخذ المثل الحسن من الثائر جيفارا وهو طبيب ناضل مع صديقه فيدل كاسترو حتي انتصر واعتلي رئاسة الجمهورية في كوبا عام 1959م وواجه معوقات وعراقيل وكان صلباً عنيداً صامداً لم يتساقط تحت أرجل الخواجات أو يلين لهم واضحت كوبا الجزيرة الصغيرة شوكة حوت في حلق القوى الاستعمارية المستبدة وبالعمل والجد والإجتهاد والاخلاص اصبح اقتصادها راسخاً وتميزت بأفضل نظام صحي وعلاجي في العالم وفقاً لتقارير هيئة الصحة العالمية والمنظمات الدولية وظل جيفارا مسانداً لصديقه لتثبيت أركان الثورة والدولة في صمت وهدوء بعيداً عن المناصب والأضواء وعينه كاسترو وزيراً في حكومته ولكنه رفض هذا التعيين وأعلن أنه صاحب قضية وليس طالب منصب واعتبر جيفارا أن مهمته في كوبا قد انتهت بعد أن تم تثبيت أركان الثورة والدولة فيها وخرج جيفارا من كوبا ليناضل في مكان آخر ووجد مقتولاً في إحدى الغابات في عام 1967م ولم يترك خلفه من حطام الدنيا الفانية غير بندقيته ولم ينل ثراءً مالياً وعيشاً مترفاً هنيئاً باسم النضال ورفض اعتلاء أي موقع ونأمل أن يحذو قادة الحركات المسلحة والموقعون علي الوثائق حذو جيفارا علي الاقل في الفترة الانتقالية وان يتركوا المواقع لغيرهم من المشتركين معهم والا يحتكروها وحدهم وعليهم ان يتمثلوا بالفارس النبيل والبطل الصنديد عنترة بن شداد الذي كان يعف عند المغنم ولا يأخذ شيئاً ويترك تقسيم وأخذ المغانم لغيره.
وإن الحركات المسلحة تمتلك عربات دفع رباعي لا تحصي وأسلحة خفيفة وثقيلة مع الصرف علي المقاتلين المنخرطين فيها وان بعض الدول والمنظمات الاجنبية هي التي تقدم التمويل والدعم الفائض لهذه الحركات وغرضها اضعاف السودان وشغله بالصراعات حول كراسي السلطة بين السياسيين مع إشعال نار الحروب والفتن والاقتتال بين بني السودان ليكون وطنهم كسيحاً قعيداً وهم يدركون ان الاحوال لو استقرت فيه فانه مؤهل ليكون مارداً اقتصادياً ورقماً كبيراً وسلة غذاء له ولمن حوله ولذلك فانهم يشعلون نيران هذه الفتن … وقد تكاثرت وتناسلت الحركات المسلحة حتي اضحت كتنين له مائة رأس وفور توقيع الأحرف الأولي علي الاتفاقيات بجوبا اعلنت عدد من الحركات التي لم تشرك في المفاوضات انها لا تعترف بالاتفاقيات ولن تضع السلاح وستظل رافعة له وقطعاً انها ستجد التأييد والسند المالي واللوجستي من القوى الخارجية التي تسعي لتصبح الدولة في السودان في حالة توهان وانعدام وزن ( يعني يسدوها من هنا تنقد من هناك ) وتم الاتفاق ان تظل القوات التابعة للحركات المسلحة قائمة وتتمتع باستقلاليتها لامد معلوم واخلاقياً ينبغي أن تضع السلاح طالما أصبحت شريكة في السلطة ولعل المهمة الوحيدة للمقاتلين في هذه الحركات ستكون هي الحفاظ علي كراسي المشاركين في السلطة من الحركات الموقعة علي الاتفاقيات وحمايتها لهم.
وان من مقومات حماية الأمن القومي هو ايلاء الأمن الخارجي أقصي درجات الاهتمام وفي اهماله وغيابه تسرح بعض القوى الاجنبية وتسرح ولا تتواني بعض السفارات الأجنبية في ان تتدخل جهاراً نهاراً وتحشر انفها في المسائل السيادية والسياسات الداخلية للوطن (ومن يهن يسهل الهوان عليه). وان شاه ايران عندما اقام احتفالاً شهيراً في عام 1975م استعرض فيه قوة جيشه سارع حلفاؤه الغربيون بالعمل علي اسقاطه من عرشه وتحويله لطريد آواه في آخر ايامه الرئيس السادات وسعت الدول الغربية لاضعاف جيش حليفهم السابق الشاه الذي افتخر به . وعندما ادركت الدول الغربية وعلي رأسها امريكا ان العراق كان ينهض ويتقدم بسرعة في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية وأن له جيش قوى قامت بخبث بمكيدة جر الرئيس صدام حسين لإحتلال الكويت ومن ثم نفذت مخططها الذي دفع العراق ثمنه … ومن مخططاتهم الآن اضعاف الجيش السوداني صاحب التاريخ الحافل بالأمجاد منذ عقود طويلة خلت ومخططهم يقضي باضعافه وحرمانه من التسليح من الخارج ويسبق ذلك محاولة اضعاف وانهاء التصنيع الحربي في اطار السعي لاضعاف السودان في كل المجالات . والامر يقتضي ان يلتقي السودانيون علي كلمة سواء ويتفقوا لحماية الوطن من هذه المخططات الاجرامية والواجب يقتضي التريث وعدم الاندفاع وراء الهياج العاطفي والتظاهرات والهتافات التي لن تجدي فتيلاً والتي تؤدي لحدوث انقسامات حادة بين السودانيين ويجب العمل علي ما يجمع لا ما يفرق.
The post كلمات لا تنقصها الصراحة حول توقيعات جوبا!!.. بقلم صديق البادي appeared first on السودان اليوم.