(1)
] توقفت عند اللغة الحادة التى يتحدث بها الامام الصادق المهدي عن (الحكومة الانتقالية) ، واستغربت من ذلك التشاؤم الذي يبدو من(الامام) ، فهو لا يرى في الحكومة الانتقالية شيئاً جميلاً.
] الصادق المهدي لم يكن يتحدث بهذه اللغة (الطاردة) حتى عن حكومة البشير فقد كانت معارضة الصادق المهدي لنظام البشير كلها تندرج تحت مسمى (الهبوط الناعم). معارضة المهدي للإنقاذ لم تكن تخلو من رومانسية (الحنينة السكرة) اغنية محمد وردي التى كتبها اسحاق الحلنقي (الزهور شالت ندى.. والعيون تعبت ندا… انت فينا مخيرا) ، وكان الامام ينطبق عليه قول عبدالرحمن الريح (الزهور صاحية وانت نائم) في كل صراعاته مع الانقاذ. دليلي على ذلك تنقّل الامام بين (تهتدون) و(تفلحون) في اقصى سقوفات اشتباكه مع النظام.
] كل هذه الاشياء تؤكد ان المهدي لم يكن فظاً غليظ القلب مع نظام البشير فقد كان طوال فترة الانقاذ يمنح النظام (قُبلة الحياة) كلما اقترب النظام من الافول – وما كانت (قومة نفس) الامام مع نظام البشير نلحظها إلّا عندما يتحدث عن (تعويضات) الحزب وأراضيه التى سلبت منه، فقد كانت كل خلافات الامام ومعاركه مع نظام انقلاب 30 يونيو 89 تتميز بالنفس الهادئ وكانت دعواته للسلمية والجنوح لها، واتباع سياسة (حبيبي اكتب لي وأنا اكتب ليك) وهو في اوج صراعه مع نظام البشير، مع (استعفاف) المهدي من المشاركة في حكومة الانقاذ رغم العروض التى قدموها له فانحرف لها ابنه عبدالرحمن ليكون مساعداً للرئيس.
(2)
] في 1958 كان تسليم السلطة للجيش وتفويض الفريق عبود لحكم البلاد امراً خرج من مطبخ حزب الامة القومي ، ليفتح ذلك التاريخ اول نافذة للانقلابات العسكرية التى ظلت تنخر في جسم الدولة السودانية وتهدها كلما اوشكنا الى (ديمقراطية) ناضجة ومكتملة.
] ومثلما سلم الصادق المهدي (السلطة) للجيش في 1958 ، جاء وفتح ابواب سلطته لهم في 1989 ، ليأتي نظام الانقاذ عبر انقلاب عسكري بسبب ضعف الحكم وتهاون الصادق المهدي…وقد قال البشير في ذلك ان الاحزاب السياسية في حكومة الصادق المهدي كانت تتسابق على (الانقلابات العسكرية) وكان اول من يصل للمايكروفون ويذيع (البيان الاول) سوف يستلم (السلطة) وبحكم البلاد.
] الصاق المهدي يريد ان يعيد الكرّة الآن ، ويمارس دوره الذي ظل يقوم به منذ ان شب على (السلطة) الى ان شاب عليها بتقديمه للسلطة مرة اخرى للجيش بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
(3)
] رئيس حزب الامة القومي وهو (معارض) لم نسمع منه هذا الكلام الذي نسمعه منه الآن وحزبه شريك في الحكومة الانتقالية حيث حدد رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي ثلاثة سيناريوهات محتملة أمام السودان الفترة القادمة، هي الفوضى أو الانقلاب العسكري أو القفز إلى انتخابات مبكرة ، في ظل ما وصفه بتباين وتباعد مواقف قوى الحرية والتغيير، وإخفاقات حكومة حمدوك، وشدد على أن (الوضع الانتقالي الحالي بالسودان في خطر، وتوجد فئات تمارس تحريض القوات المسلحة علناً للتربص بالفترة الانتقالية).
] ليس هناك (تحريضاً) للقوات المسلحة اكثر من هذا الذي يأتي به الامام ، فهو كأنه يقدم لهم الدعوة لاستلام السلطة عندما يقطع هكذا بفشل حكومة حمدوك.
] اذا كان الصاق المهدي بذلك (الحرص) لماذا لم يمارس حرصه هذا في الحكومة التى قادها بعد انتفاضة رجب ابريل؟.
] الانتخابات المبكرة التى يدعو لها المهدي هي التى كانت سبباً في سقوط نظامه وفي نجاح انقلاب الحركة الاسلامية في 1989م.
] الخطر على الحكومة الانتقالية يأتي لها من (الصادق المهدي) وليس من (الجيش).. الشعب قادر على حماية (المدنية) والصمود حتى بلوغ صناديق الاقتراع في الفترة الزمنية المحددة لذلك.
(4)
] بغم/
] قال البشير في التسجيلات الوثائقية لقناة العربية عن الكيفية التى استلموا بها السلطة ونفذوا انقلاب 30يونيو 1989م وهو يخاطب قيادات الحركة الاسلامية في قاعة مغلقة : ( دخلنا أنا وبكري حسن صالح للقيادة العامة برجلينا لا عندنا عربية ولا عندنا سلاح ولا عندنا بندقية ولا عندنا طبنجة …لاعندنا أي شيء). واضاف البشير : (الساعة 2 صباحاً وصلنا القيادة ووجدنا محجوب عمر كجو من سلاح المظلات مسؤول عن حماية القيادة العامة … صحاه بكري من النوم وقال ليه قوم نحن عندنا انقلاب قائده عمر حسن.. كجو قال ليه أنا معاكم) . وواصل البشير في حديثه : (كجو صحى الناس …خطبنا فيهم ..واستلمنا القيادة واستولينا على السلطة).
] هل تعلمون ان مباراة في كرة القدم تجمع بين الهلال والمريخ او حتى العباسية والأحرار في الدرجة الثانية تحتاج الى ترتيبات امنية اكثر من تلك التى كانت عليها القيادة العامة للقوات المسلحة في حكومة الصادق المهدي.
] يفترض ان يحاكم الصادق المهدي بسبب اهماله وتساهله لتقويض نظامه والحكم المدني في الديمقراطية الثالثة مع الرئيس المخلوع عمر البشير وسبعة وعشرين من مساعديه المتهمين بتدبير انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 الذين يحاكمون في هذه الايام.
] دور المهدي في نجاح الانقلاب كان اكبر من دور البشير نفسه.
صحيفة الانتباهة