السودان اليوم:
احتفى المهندس الطيب مصطفى في مقاله الراتب أمس بخطاب وصفه بـ»الحارق» كان قد بعث به أنطونيو بانقر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين لوزير الإعلام فيصل محمد صالح انتقد فيه واقع الحريات الصحافية حالياً، وقد وقع الخطاب للطيب مصطفى (في جرح) ولهذا كانت الحفاوة بذلك الخطاب الذي ظننتُ أن كاتبه الرزيقي وليس أنطونيوـ ثم تساءل الطيب مصطفى في خاتمة المقال :(من بربكم غير فيصل ووزارته العاجزة يتحمل المسؤولية الكاملة عن انهيار صناعة الصحافة الورقية لأول مرة منذ الاستقلال بل قبله بعد أن توقفت المطابع جراء الأوضاع الاقتصادية المزرية…
لستُ هنا بصدد الرد على مقال المهندس الطيب مصطفى، كما أنني لست هنا في موضع المدافع عن الأستاذ فيصل، لكن ثمة حقائق لا بد أن تُقال، فنحنُ أهل الصحافة عشنا في بلاطها لعقود عايشنا آلامها وأحزانها وتجرعنا كؤوس مراراتها، ولذلك نعرف واقعها اليوم والأمس أكثر من «أنطونيو» الذي يتحدث الآن بلسان زميله في الاتحاد الرزيقي، وهو لا يدري أن الرزيقي «مرمط» الصحافة وأضاع هيبتها وجعلها تابعاً ذليلاً لجهاز الأمن تأتمر بأمره والويل ثم الويل لمن يخالف التعليمات سواءً أكان صحفياً أو مؤسسة صحافية, وكسر شممها بسبب المواقف المتماهية مع الجلاد… هل يعرف «أنطونيو بانقر» الذي يُعبر في هذا الخطاب عن مواجع الرزيقي أن الصحافة السودانية في عهد نظام جماعة الرزيقي كانت تُصادر بالجملة بعد طباعتها… «15» صحيفة كانت تُذبح في ليلة واحدة لأنها نشرت خبر اغتصاب طفلة، ولم يكد سيل المصادرات واعتقال الصحافيين واستدعائهم إلى مكاتب الأمن ينقطع يوماً واحداً، أما إيقاف الكتاب الصحافيين المغضوب عليهم فذاك كان هو الأهون لدى أي ضابط في الجهاز، فكان ذلك أمر من كثرة حدوثه بات مشهداً مألوفاً حتى لدى القراء الذين كانوا يتوجهون إلى المكتبات صباحاً وعندما لا يجدوا صحفهم المفضلة يتكرمون بالاتصال علينا ليخبروننا أن جهاز الأمن صادر صحيفة كذا وكذا فنجد معلوماتهم صحيحة.. أما الرزيقي ووزير إعلام النظام أحمد بلال فكانوا لا يحركون ساكناً ولا ينبسون ببنت شفة، ومع ذلك يُكثر اليوم الرزيقي الشكوى ـ زوراً وبهتاناً ـ من مصادرة الصحف والتضييق على الحريات الصحافية، ويتبنى السيد «أنطونيو بانقر» وجهة نظر الرزيقي بحكم الزمالة وعضويته في الاتحاد الدولي، فما جاء في خطاب الرجل يُعبر عن تلك الزمالة والمعرفة والعلاقة والحميمة التنظيمية أكثر من التعبير عن الواقع الذي نعيشه الآن من حريات إعلامية وصحافية تتسع لدرجة الخوف عليها من تعدي الحدود والضوابط والقيَّم.. نحن نعيش واقع الصحافة اليوم كما عشناه بالأمس فليس هناك وجهاً للمقارنة إطلاقاً، والآن الطيب مصطفى نفسه يتجاوز نقد الأداء الحكومي إلى شتم رئيسي الدولة والحكومة، بينما كُنا نتلقى التهديد والتحذير من تناول البشير، ونسمع عبارة «البشير خط أحمر»… سأتفق مع كل شخص ينتقد الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني، لكن بالطبع لن أوافق على انتقاد واقع الحريات الصحافية، (مُش تقول لي أنطونيو المتحدث بلسان الرزيقي) فواقع الحريات الصحافية هو الأفضل على الإطلاق… أما الحديث عن أن فيصل ووزارته يتحمل المسؤولية الكاملة عن انهيار صناعة الصحافة الورقية، فهذا أمر يُجافي الحقيقة، فما يحدث لصناعة الصحافة الآن مثله مثل ما يحدث لواقع أي صناعة في السودان وهي قضية مرتبطة بالوضع الاقتصادي العام، قد يكون المطلوب من الوزارة أن تفعل ما تستطيع لتخفيف تأثير هذه الأوضاع على صناعة الصحافة لكنها ليست مسؤولة عما يحدث للصحافة الورقية، فما يهُمنا هنا هو مناصرة الحقيقة وليس الأشخاص وإن كانوا زملاء وأساتذة محترمين مثل الأستاذ فيصل… اللهم هذا قسمي فيما أملك.. نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
The post فيصل محمد صالح و«أنطونيو الرزيقي».. بقلم أحمد يوسف التاي appeared first on السودان اليوم.