السودان اليوم:
عندما أصدرت الخارجية الأمريكية تقاريرها القطرية السنوية حول الإرهاب قبل بضعة أسابيع، تساءل العديد من المحللين الأمنيين بشأن تقييم السودان. وكان قد أدرج رسمياً كداعم للإرهاب في العام 1993، وبحسب مركز “أوراسيا ريفيو” فإن التقرير الخاص بالسودان يشير إلى أنه “على الرغم من عدم وجود هجمات إرهابية بارزة، يبدو أن شبكات تيسير داعش نشطة داخل السودان”، ويشير التقرير إلى أن هنالك أسباباًعديدة قد تؤدي إلى تأخير إزالة السودان من قائمة الإرهاب رغم التقدم الذي تم إحرازه.
مكافحة الإرهاب:
ويرى مركز “أوراسيا ريفيو” الأمريكي للدراسات والبحوث في تقرير حديث له أن السودان لازال يكافح من أجل الهروب من تاريخه كمعبر للجماعات المتطرفة، حيث أدرج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب دعمه جماعات وصفت بالتطرف مثل حزب الله وحماس والقاعدة.
ويشير التقرير إلى أن قوات الأمن ومكافحة الإرهاب السودانية لا تزال تواجه صعوبات في وقف دخول المقاتلين والأسلحة والسلع الأخرى غير المشروعة من دول الجوار. حيث أفاد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بأن السودان يفتقر إلى القدرات التقنية والمادية لتأمين حدوده.
ويشير التقرير إلى أن السودان اتخذ عدة خطوات لتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، بما في ذلك تشديد تنظيم القطاع المالي في البلاد لتقليل تعرضه لعمليات غسيل الأموال، وإظهار استعداد أكبر للتعاون مع جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية. وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن هذه تشمل “عمليات لمواجهة التهديدات لمصالح الولايات المتحدة وموظفيها في السودان”.
ويرى التقرير أن التغيير الذي شهده السودان عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، في أعقاب ثورة شعبية، أنه تطور يمكن أن يمهد الطريق لتغيير ديمقراطي حقيقي. الا أنه مع ذلك، لا يزال السودان يواجه تحديات كبيرة يمكن أن تعطل مسار البلاد في العودة إلى التيار الرئيسي للسياسة الدولية. ولإيجاد مكان دائم في هذا الاتجاه، يجب على السودان أن يثبت أنه لم يعد ملاذًا للجماعات الإرهابية والمتطرفة العنيفة وأنه ملتزم بضمان المضي في هذا الطريق.
تحديات جغرافية:
ينبه التقرير إلى أن جزءاً كبيراً من مشكلة السودان اليوم هي الجغرافيا. حيث يتاخم السودان سبع دول ويشترك في شواطئ واسعة مع البحر الأحمر، مما يضعه في قلب بعض المناطق الأكثر انتشارًا للنشاط المتشدد في إفريقيا وشبه الجزيرة العربية. حيث توجد جماعات متطرفة بما في ذلك بوكو حرام، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وداعش في الصحراء الكبرى في الغرب، في حين أن الحدود الشمالية للسودان مع ليبيا ومصر تجعله عرضة للاختراق من قبل عدة مجموعات تابعة للقاعدة وداعش.
لافتاً إلى أن موقع السودان يجعل منه بوابة محتملة لربط محاور النشاط المتشدد في شمال ووسط وشرق إفريقيا. هذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى أن التنقل عبر حدود البلاد ليس بالأمر الصعب. معظم المعابر البرية غير رسمية للغاية، أو غير مراقبة بسبب طولها المطلق. وفي الحالات التي توجد فيها مناطق عبور رسمية، فهي عادة ما تكون قليلة الموظفين وغير معدة بصورة جيدة، وتعتمد في الغالب على دفاتر ورقية لتسجيل تفاصيل أولئك الذين يدخلون ويخرجون من البلاد. وبسبب ذلك يمكن للجماعات المتشددة أن تستغل هذه الديناميكيات لتأسيس قواعد خلفية تُستخدم لدعم وتسهيل حركة النشطاء عبر مختلف مسارح الصراع.
ويشير التقرير إلى أن إحدى المناطق المعرضة للخطر بشكل خاص هي سلسلة جبال Kurush “كوش” في شمال شرق السودان، والتي تمتد بموازاة البحر الأحمر والتي تعتبر مثالية لإدارة عمليات المخدرات والأسلحة، وكذلك تنظيم رحلات المتمردين من وإلى شبه الجزيرة العربية. وبحسب ما ورد في عام 2004، قامت القاعدة بتنظيم العديد من معسكرات التدريب في هذه المنطقة لهذه الأسباب. ساعدها في ذلك الطبيعة الوعرة للتضاريس في هذا الجزء من السودان حيث تصعب المراقبة والسيطرة الشاملة، مما يعني أن مجموعات مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والجماعة اليمنية التابعة لتنظيم داعش يمكنها الاستفادة من المنطقة لتصدير الإرهاب من خليج عدن إلى القرن الإفريقي.
وبحسب التقرير فإن السودان يعتبر أيضًا ممر عبور رئيسي للهجرة غير الشرعية من القرن الإفريقي إلى شمال شرق إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وتشكل ولايات كسلا والقضارف الحدودية الشرقية نقاط الدخول الرئيسية إلى البلاد. قبل وصولها عادة إلى الخرطوم، والتي تعمل كمحور مركزي للرحلة القادمة إلى السواحل الشمالية لليبيا ومصر. حيث تغادر القوارب المهاجرة إلى أوروبا.
ويرى التقرير أنه يمكن للجماعات المسلحة أن تستفيد بشكل معقول من هذه التدفقات لوضع خلايا في أوروبا سراً من خلال جعل النشطاء ضمن لاجئين يفرون من دول قمعية للغاية على سبيل المثال، إريتريا، أو دول تعاني من عدم استقرار داخلي مثل الصومال، اليمن، جمهورية الكونغو الديمقراطية.
واعتبر التقرير أنها قد تكون نوعًا مختلفًا من التكتيكات التي استخدمها داعش لاختراق بعض المسلحين في شبكته وكانوا يقفون خلف الهجمات التي حدثت في نوفمبر 2015 في باريس، وتفجيرات مارس 2016 في بروكسل. عبر المهاجمين للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في شرق بحر إيجة بحجة أنهم هربوا من الحرب الأهلية السورية.
إصلاحات مطلوبة:
ولفت التقرير إلى أن إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من شأنه أن يحفز الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه، ويقرب الخرطوم من فلك العلاقات الطبيعية مع الدول الأخرى. إلا أن اكتمال إزالة السودان من قائمة الإرهاب ستستغرق بعض الوقت على الرغم من التقدم الذي أحرز مؤخراً، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية، من بينها أولاً، إن آليات التسوية الفعلية لقضايا محكمة الإرهاب التي تم رفعها ضد الدولة في قضية المدمرة كول، وتفجيرات السفارات عام 1998 في كينيا وتنزانيا معقدة للغاية، وليس من الواضح أن الخرطوم لديها الوسائل المالية التي تمكنها من دفع تعويضات للضحايا نظراً لضعف الاقتصاد.
ثانياً، لم يقم السودان – بحسب التقرير – بعد بسن إصلاحات أساسية لقطاعه المصرفي لضمان عدم استخدامه كمركز لغسيل الأموال. ثالثًاً، يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال غير مطمئنة إلى حد ما من أن الإدارة الانتقالية الحالية ستفي بتعهدها بالسماح بإجراء انتخابات ديمقراطية في العام 2022.
ويرى التقرير أن السودان في مرحلة انتقالية، وأنه حتى في حال تم حل المسائل المتعلقة بالإرادة السياسية، فستظل هنالك فجوة في القدرات، إلا أن المجتمع الدولي لديه المصلحة في تحقيق الاستقرار في دولة اعتبرت معقلاً للمجموعات المتطرفة.
The post إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب .. ما وراء التأخير appeared first on السودان اليوم.