السودان اليوم:
فوجئ السودانيون بنائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي» في إثيوبيا، التي يزورها لأول مرة منذ تقلد منصبه، فيما أبدت جهات كثيرة في الحكومة «عدم معرفتها» بالزيارة وأجندتها، بما في ذلك السفارة الإثيوبية في الخرطوم، والسفارة السودانية في أديس أبابا، ليتسرب إلى وسائل إعلام إثيوبية أن رجل مجلس السيادة القوي ضيف عندهم.
بعد ذيوع خبر الزيارة «السرية» سارعت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» لنقله دون تفاصيل، واستخدمت مفردة «من المقرر» للحديث عن أجندة الزيارة بالقول: «من المقرر أن يجري الفريق أول محمد حمدان دقلو غداً جلسة مباحثات رسمية مع رئيس الوزراء الإثيوبي، تتصل بمسيرة العلاقات الثنائية، بجانب عدد من الملفات الإقليمية، ولا سيما المتصلة بعمليات السلام في المنطقة».
أما إعلام «حميدتي»، الذي درج على نقل كل كبيرة وصغيرة تحيط به، فلم يفصح عن الزيارة، التي كان مقرراً لها أن تكون سرية، لو أن أديس أبابا لم تكشفها، فاضطر لنقل «تغريدة» بلسانه، تقول: «سعدتُ بزيارة دولة إثيوبيا الشقيقة، ووقفت على النهضة والتطور التي أحدثهما رئيس الوزراء آبي أحمد»، مع تعهده بنقل كثير من التجارب الإثيوبية «المشرقة» للسودان، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية.
من جهتها، نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية «إينا» صوراً للزيارات، التي نظمت له برفقة آبي أحمد، وتضمنت زيارة للمجمع الصناعي الإثيوبي بـ«آداما»، ومشاركته في زراعة شجرة، يبدو أنها جزء من مشروع «البصمة الخضراء»، الذي تعمل عليه السلطات الإثيوبية، وزيارات أخرى لبعض المواقع التي قصدت أديس أبابا دعوته لزيارتها.
ومثلما لم تكن الجهات الرسمية تعرف عن الزيارة، فإنها لم تعلن أيضاً موعد عودة الرجل بشكل رسمي، ولو لم يذكر الإثيوبيون أن الزيارة ستستغرق يومين، لما استطاع أحد أن يعرف متى يعود الرجل النافذ إلى مكتبه في القصر الرئاسي.
في هذا السياق، قال الخبير في الملف الإثيوبي محمد حامد جمعة: «يبدو أن الزيارة ذات طابع خاص وشخصي، وغير مربوطة بوضعه الرسمي نائباً لرئيس مجلس السيادة أو لجنة اقتصادية»، موضحاً أنها جاءت تلبية لدعوة بصفة «شخصية» لرجل مفتاحي، في نظرهم، يحمل مفاتيح التعاون الاقتصادي أو قضية النزاع الحدودي، أو مفاوضات سد النهضة.
وبحسب جمعة، فإن التواصل الإثيوبي مع حميدتي «يمكن أن يحقق رغبات إثيوبية غير معلنة، ربما بنوا عليها فكرة الزيارة»، وقال: «حميدتي يبحث عن أرضية لعمل اقتصادي واستثماري كبير، وهو ما يتوفر في إثيوبيا».
كما اعتبر جمعة أن الزيارة تؤشر إلى علاقة «غير مستقرة» بين حميدتي ومصر، بقوله: «بالطبع هو الرجل الثاني في مجلس السيادة، واختيار علاقاته الإقليمية، كان ينبغي أن تكون محسوبة بدقة»، مضيفاً: «زيارة حميدتي وإن بدت ذات طابع شخصي، فهي ذات علاقة بالتوتر الواضح بين مصر وإثيوبيا… وهذا مؤشر مزعج للتقديرات المصرية، لأنه يخل من وجهة النظر المصرية بالتوازن القائم بين الدول الثلاث».
كما أشار جمعة إلى البعد الاستثماري الخاص لحميدتي وعلاقته بالزيارة كـ«رجل أعمال»، وقال في هذا السياق: «لقد خطا الرجل خطوة ممتازة تجاه البلد المنفتح على الاستثمارات والمستقر اقتصادياً… والبرنامج الذي نظم للرجل يحمل أبعاداً تضمر شراكات شخصية للرجل مع الجانب الإثيوبي، كرجل أعمال، وعامة بصفته رئيس اللجنة الاقتصادية المعنية بإصلاح الوضع الاقتصادي في السودان، وأي شراكات شخصية وعامة ستكون مدعومة من رئيس الوزراء شخصياً».
واعتبر جمعة زيارة حميدتي لمجمع «آداما الصناعي» رفقة آبي أحمد مهمة جداً، بقوله: «لا يزور المجمع عادة إلا الرؤساء، الذين يزورون إثيوبيا، ولزيارته ارتكبت إثيوبيا عن عمد مفارقة بروتوكولية لافتة، تمثلت في مرافقة رئيس الوزراء له، بدلاً عن نظيره نائب رئيس الدولة الذي استقبله في المطار».
وقطع جمعة بأن جوهر الزيارة الرئيسي هو أنها «شخصية تخص الرجل، أكثر من كونها تخص صفته الرسمية»، ومع ذلك يستبعد قبول مصر للخطوة بقوله: «المصريون لن يقبلوها في كل الأحوال… مصر درجت على التعامل مع أحزاب والجيش في علاقتها مع السودان، ويبدو أنها تنظر بحذر لوضع الرجل»، مضيفاً: «حين يضع حميدتي كل ثقله مع إثيوبيا، فهذا يؤشر لتوتر بينه وبين مصر».
وتشير الدلائل وفقاً لجمعة، إلى أن حميدتي فوجئ بالاستقبال الرسمي الذي كان يتوقع زيارة شخصية، ويستند في ذلك إلى أن السفارة الإثيوبية في الخرطوم لم تكن تعلم بالزيارة، وسفارة السودان في أديس أبابا لم تكن تعلم بها هي الأخرى.
ويرجح جمعة أن تكون إثيوبيا قد قصدت «حرق سرية الزيارة» في رسالة موجهة للقاهرة، فحواها «لدينا علاقة قوية برجل بمثل هذا الثقل»، فسرّبوا خبر الزيارة وصوّرها لوسائل إعلام غير رسمية بادئ الأمر، ويضيف: «هذه الزيارة فيها أشياء كثيرة مزعجة، فهي تحمل رسالة ذات مدلول واضح لمصر».
شارك هذا الخبر:
The post إثيوبيا ترفع السرية عن زيارة حميدتي لإيصال رسالة إلى مصر appeared first on السودان اليوم.