عدت الى ممارسة رياضة المشي بعد طول غياب ..فقد فارقتها منذ ان رحلت الى الجانب الآخر من النهر وصرت من سكان شرق النيل ضاحية الفيحاء ..والحق يقال المكان جميل .. الارض لا تزال بكرا ..الهواء عليل لم يتلوث بعد ..خاصة لو بكرت في الخروج قبل شروق الشمس ..اغلب المارة في طريقهم لجلب الرغيف ..الصفوف بسيطة مقارنة بما كان في الايام السابقة ..نسير بخطوات منتظمة ( ابو هند وانا ) في الشوارع الداخلية ..اغلب البيوت ان لم يكن كلها ..قد اخذت لنفسها العديد من امتار من الشارع ..لا ادري لماذا يصر السودانيون على هذا الامر؟ ..يعني الواحد يكون بيته 500 متر ..ولا يزال يطمع في بضعة امتار خارج حدوده ..والطريف انه يوقف سيارته خارجا فيضيق الشارع اكثرواكثر ..لكن تلك قصة اخرى
اهم ما خرجت به ..ان العاصمة السودانية فعلا صفراء ..شاحبة الشوارع ..توحي لك بالموت ..رغم انها على شاطئ اطول انهار العالم ..اذكر ان مستر كيم (وهو مدير الشركة الكورية التي اشرفت على تأسيس قسم الكواشف الطبية بالمعمل المركزي بسوبا) ..قال لي متعجبا ( لماذا تعيشون في مدينة صفراء ؟ ) وعندما ابديت له عدم فهمي من (صفار اللون ) هذا ..قال لي (لا توجد اشجار في الخرطوم ..ما الذي يمنعكم من زرع الشوارع والميادين في هذه المدينة التي تقع على ملتقي اهم انهار العالم ) …اسقط في يدي ..ولم اجد ردا مناسبا ..ذات الرجل في مناسبة اخرى …مازحني قائلا ان الشعب السوداني يضحك ملء فيه رغم قسوة الحياة وخلو بلاده من الاشجار.. فحوقلت وقرأت المعوذتين (الجماعة ديل عينهم حارة … قهرتك بالقاهر والنبي الطاهر…يعني نحن يخربنا لا نضحك ولا نزرع الشجر ؟؟..).
تذكرت مستر كيم هذه الايام وقد صرت اسير بلا هدف في شوارع الفيحاء ..واستغرب خلوها من الاشجار ..الا من رحم ربي من سكانها ..تجده قد زرع امام منزله اشجار جميلة تدخل السرور على قلبك وتملأ نفسك بالسلام ..مجهودات فردية ..هنا وهناك ..تبدو الاشجار لو شاهدتها من شرفة منزلك ..كشعيرات متفرقة في رأس أصلع ..لا ادري كيف افعلها ..او كيف اقدم مقترحا للدولة تلزم كل من ينوي البناء على الالتزام بحدود قطعته وإزالة مخلفات بنائه من انقاض وخلافه ..وان يزرع عدد معين من الأشجار امام منزله ..حتى نحصل على مدينة خضراء في غضون سنوات من الآن.
اللون الاخضر هو الحل لمشكلات كثيرة ..التلوث أولها ..ارتفاع درجة الحرارة ثانيها ..وتبعا لذلك ظاهرة الاحتباس الحراري ..حتى النفسيات تتغير ..وقد مررنا اليوم على بيت قد زرعت امامه اشجار ظليلة ..بينها يقف شامخا (سبيل) به عدد من الازيار وقد وضع اناء صغير للشرب ( ما عايزة اقول كوز ) ..وقفنا طويلا امام هذا المنظر صامتين ..ذهبت افكارنا ..الى ذلك الزمن الجميل حين كانت تنتشر ظاهرة السبيل في كل الشوارع ..كانت مياهه باردة وترد الروح ..خاصة عند العودة من المدارس في هجير الصيف القائظ ..ابتسامة عريضة ارتسمت على وجوهنا هذا الصباح ..ودعواتنا ذهبت لصاحب تلك الأشجار وذلك السبيل البارد ..
اخضوضروا يا اصدقاء ..يا جيراني الأعزاء ..ازرعوا امام البيوت ..غيروا شكل الميادين وتلك المساحات الصفراء الخالية ..اجعلوها خضراء تسر الناظرين ..(خلونا نضحك فوق راي) ..بعد ان تكتمل لدينا اسباب الفرح ..(الخضرة والماء والوجه الحسن)