(1 )
صديقي وأخي الأصغر العوض محمد العوض معلم مخضرم بمرحلة الاساس التقيته قبل يومين في ذات جولة على بعض المناسبات الاجتماعية في قريتنا وكان موضوع ونستنا في فواصل الطريق بين بيوت المناسبات واحدا وهو المرتبات الجديدة التي كان العوض سعيدا بها سعادة لا توصف وقد علمت منه أنهم كمعلمين بولاية الجزيرة تم منحهم سلفية للعيد من حساب المرتب الجديد وهو شخصيا قد استلم مبلغ عشرين الف جنيه وأربعمائة وخمسين جنيه (بنات حفرة) ولما سألته عن مرتبه الجديد أجاب بانه لا يدري بالضبط كم سيكون ولكن بما انه في الدرجة الثانية لن يقل عن عشرين الف جنيه ورجعنا للسلفية فسألته ان كان قد استلم مبلغ عشرين الفا حتة واحدة قبل ان يجيب قال أولا هي عشرين ألفا وأربعمائة وخمسين فوجدت في هذا فرصة للدعابة فأخذت ألف وأدور حول العشرين الف فقط وهو يصر على إضافة الاربعمائة وخمسين جنيه الي ان وصل مرحلة الإنذار فقالها بصريح العبارة عليك الله يا فلان لم تذكر العشرين ألف من فضلك ما تنسى مبلغ الأربعمائة وخمسين فقلت له انا متخيل المبلغ الكبير بنسيك الكسور الصغيرة فقال لي أنساها كيف ودي في يوم الأيام كانت أكبر من مرتبي ذاته.
(2 )
قلت للعوض يا خي الزيادة كبيرة جدا فاحتمال الدولة ما تقدر توفي بها خاصة في الظروف دي، فالمرتب القادم قد يتأخر شوية فقال أبدا ما في كلام ذي دا طالما أنهم سلفونا منه معناه قاعد، فسألته ما في احتمال الزيادة دي تنقص شوية فبدلا من 500 او 600 % احتمال يكون 200 او 300 % فقال الناس الديل لو ما حاسبنها كويس ما كان حددوها التحديد الدقيق دا فقررت ان أجيه من الآخر فقلت هناك احتمال الشغلانة تلغى نهائيا وتعمل معالجات أخرى، وبما ان العوض زول حبوب ولا يعرف الانفعال ولا الكلام القاسي قال لي متوسلا وبطريقته التي تنضح بالحنية وتقطع القلب مع شوية تمتمة معروف بها عليك الله وعليك الله يا فلان تاني ما تقول كلام ذي دا . فسكت بعد ان أيقنت تماما ان العوض لن يقبل أبدا أي مساس بالمرتب الجديد ولن استطيع تخيل ردة فعله إذا لا سمح الله حدث اي تغيير في هذا الأمر . وفي تقديري ان حال العوض حال كل الموظفين في الخدمة العامة مثل عساكر الشرطة وجنود القوات المسلحة وغيرهم ولاشك ان هذه الفئات الكبيرة والتي كانت مظلومة ومستضعفة تحظى بتعاطف كل الناس ولا شك ان سعادتهم سوف تسعد كل المجتمع السوداني ومن هنا يأتي ترحبينا اللا محدود بأي تحسين في رواتب هؤلاء الجنود المجهولين ولكن هذا لا يمعنا من القول ان طريقة إبراهيم البدوي التي عالج بها الأمر تحفها الكثير من المخاطر والخوف كل الخوف ان تحدث انتكاسة لتزيد أوضاعهم ووضع البلاد تعقيدا وإحباطا ، ولنقل هنا فال الله ولا فالي.
(3 )
في هذا العمود الذي بلغ عمره قرابة الأربعين عاما كتبت مرارا وتكرارا وفي عهد الإنقاذ قائلا ان هناك خللا في صرف أموال الخزينة العامة على العاملين في الدولة ونبهت مرارا الى خطورة تمزيق الإنقاذ للقوانين واللوائح التي يتم بموجبها التصرف في المال العام، وقلت ان الأموال التي تخرج من خزينة الدولة للعاملين كافية جدا لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الموظف العام المعيشية ولكن الخلل يأتي من توزيعها، فالإنقاذ بعد ان سيست الوظائف القيادية في الخدمة العامة أصبحت تغدق عليها على حساب الوظائف القاعدية وهذه سياسة ممنهجة الغرض منها التمكين من الخدمة العامة عن طريق الإمساك برؤوسها وهذا ما أسميته بالعولاق وهو يعني تضخم الرأس مع رقة في القاعدة وقد أتيت بهذا من الاهزوجة الشعبية التي تقول (راسو كبير وكرعيهو رقاق مما سمو سمو العولاق) وضربت مثلا بذلك بمخصصات مديري الجامعات وعمداء الكليات وضباط القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن وقضاة ووكلاء نيابة وضباط إداريين وغيرهم من مديري ورؤساء وحدات، والأنكى من كل ذلك ان النظام سمح للوحدات بما يسمى باستنباط موارد ذاتية لا تحتاج لإجازة من جهة تشريعية ولا تمرعلى وزارة المالية وهذه زادت من جريان الأموال في ايد الرؤوس . أما ما يسمى بالدستوريين فحدث ولا حرج . وكم تمنيت لو ان السيد وزير المالية بدأ بمراجعة أمر الرواتب بهذا الأمر اي تخسيس الرأس ليتنزل ما اكتنزه على بقية الجسم فيقوى كله وأجزم بان هذا كان سيعالج الكثير من الاختلالات وعلى رأسها التضخم لان رأس العولاق والدستوري والمستنبط كانت لديه القدرة على مجاراة السوق مهما ارتفع.
(3 )
في ظل ظروف البلاد المالية المعروفة والتي زادتها تعقيدات الكورونا تعقيدا من نقص في الإيرادات من جمارك وضرائب وزيادة في الصرف وإحجام الخارج عن اية مساعدة نتيجة لما فرضته عليه الكورونا، دفع السيد ابراهيم البدوي بقرار زيادة المرتبات بتلك الصورة، والواضح ان رئيس الحكومة كان داعما لهذا الأمر كما صرح في لقائه التلفزيوني وربما يكون مجلس الوزراء قد ناقش الأمر وأجازه ولكن بدا لي ان هذا الأمر لم يعرض للجهة التشريعية القائمة وهي مجلسي السيادة والوزراء ولم يخضع لنقاش خبراء او أكاديميين ولم يعرض على حاضنة الحكومة وإن شئت قل الحزب الحاكم فهو في هذه الحالة الحرية والتغيير ربما اكتفى السيد الوزير بمستشاريه الخاصين الذين عينهم او بإرشادات صندوق النقد الدولي، فالمهم في النهاية دق صدره ودفع بالأمر فكانت فرحة أخونا العوض وفرحتنا بفرحته ليس هذا فحسب بما أننا موظفون ايضا فقد أصبحنا في انتظار نصيبنا من الطيب.
(4 )
من القلب نتمنى ان تكون المرتبات الجديدة من موارد حقيقية وان لا تؤدي الى مضاعفة التضخم وان لا تصحبها ارتدادات مدمرة وان يسعد بها موظفو الخدمة العامة وتكون لبنة قوية في بناء دولة قوية تشبه الثورة الشعبية المجيدة ولكن هذه الأمنيات الطيبة لن تمنعنا من التخوف بان الأمر ربما كان قفزة غير محسوبة العواقب وانه لن يصمد فالتراجع عنه ستكون كلفته عالية لن تقع على رأس وزير المالية وحده ولا الحكومة الانتقالية وحدها بل سوف تقع على يافوخ كل الشعب علما ان البلاد الفيها مكفيها وتخوفنا هذا لم يأت من فراغ بل من الأخبار التي رشحت لنا ونحن نكتب في هذا المقال، فهاهو السيد وزير المالية ذات نفسه وبعضمة لسانه يصرح لـ(السياسي) يوم الاثنين الماضي انه شكل لجنة برئاسة وكيل وزارة المالية لمعالجة العجز في سداد الأجور، ويضيف الخبر ان السيد الوزير قد أقر بوجود العجز في بعض الهيئات والمؤسسات بالمركز والولايات وعزا ذلك لخلل في الهيكلة وزيادة في التوظيف . في تقديري أن كلام السيد الوزير يفتح باب التخوف (اربعة ضلف) ويشي بان الشغلانة كانت نية وان هناك معالجات كثيرة كان ينبغي اتخاذها قبل الدفع بالقرار الى حيز التنفيذ فمن غير المعقول أمر (ما سمعن بيه بنات عمه ) وقرار تنفيذه ما زال في أوله لا بل أغلب المستهدفين لم يذوقوا طعمه وحتى الذين ذاقوه كان في شكل سلفية تشبه (وش الملاح) يظهر فيه عجز وتشكل لجنة لتلافي هذا العجز!!! أين الدراسة والشورى التي سبقته ؟ ما ذكره الوزير من هيكلة وزيادة في التوظيف لماذا لم يعالج قبل الدفع بالقرار للتنفيذ ؟ التفاوت غير القانوني في المرتبات (العولاق) لماذا لم يعالج قبل التنفيذ ؟ أما كان يمكن تكون إزالة التشوهات المشار اليها قد خلقت وضعا جديدا يؤدي الى معالجة أيسر غير الزيادة المهولة ؟ معالجة تحفظ للجنيه السوداني بقية حياته وتكبح جماح التضخم ؟ لن أجرؤ على القول ( النئ للنار ) خوفا على مشاعر العوض وبقية الموجعين من الذين نحبهم
صحيفة السوداني