“من جرح الأحزان النازف .. أبتاه سلاماً وتحية ” بهذا الكلمات ابدأ وأكتب هذه الحروف في فقدان المعلم والمرشد(Mentor) والأخ الأكبر مستر شرف الدين الجزولي. وإنها لمصيبة كبيرة وفقد جلل واكتب هذا الكلمات ويعتصر الألم والحزن قلبي.
لقد قضيت اللحظات الأخيرة من حياتك تقاتل المرض بكل شجاعة وصبر وتحاول أن تخفي الآلام، وفي محادثتك تظهر قوة وتحمل يفوق تحمل وقوة الإنسان العادي رغم ما تعانيه من مرض لعين وألم مبرح.
فارقت الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في مهنة الطب، تاركاً سيرة عطرة وذكرى طيبة وروحاً نقية.
إن العطاء في الحياة سر من أسرار الخلود، سر عرفته، وعرفت كيف تجعله نهجاً ونمطاً لحياتك فمهما حاول الموت أن يمحي، لن يمحي ذكر من أعطي كل هذا العطاء والبذل.
ومهما كتبت من كلمات رثاء، وحروفٍ حزينة باكية، لن نستطيع أن نوفيك مقامك لما قدمته من علم ووقت وتفاني في سبيل خدمة الإنسان والإنسانية، لقد خدمت الإنسان في أصعب حالته وهي حالة المرض.
لقد علمتنا الأخلاق والقيم الفاضلة، وقد غرست فينا حب العلم والمعرفة، ونميت في دواخلنا قيم المحبة والخير والانتماء، ويا سعادتي وشرف عظيم لي، إنني كنت واحداً من طلابك وتلاميذك. عرفتك أستاذاً هادياً، متسامحاً، راضياً، مبتسماً، ملتزماً بإنسانيتك، محترماً لجميع الناس بمختلف مقامتهم من أطباء ومرضى وممرضين وموظفين وعمال، حملت الأمانة بإخلاص، وأعطيت للحياة والناس جهدك وعلمك وخبرتك فوفيت وكفيت.
تمتعت أستاذي الفاضل مستر شرف الجزولي، بصفات حميدة، جُلّها الاحترام وسماحة الخلق، وحسن المعشر، وطيبة القلب والتواضع الذي زادك احتراماً وتقديراً ومحبةً في قلوب كل الناس، خاصة لمن عرفك أو قابلك والتقى بك.
وهل هنالك قيمة لشيء يبقيه الإنسان بعد رحيله عن هذه الدنيا أكثر من محبة الناس له؟
كنت رسول علم ومعرفة، أتيت من بريطانيا(to save his people) لتبذل ما تعلمته من تلك البلاد لتضعه في خدمه بنو بلدك، فأحدثت نقله كبيرة في مجال جراحه العظام عموماً واستبدال المفاصل خصوصاً، ولقد أجريت العديد من العمليات الجراحية في هذا المجال، والأرقام تتحدث، حيث تجاوز أعداد المرضى الذين أجريت لهم عمليات تغيير المفاصل عدة آلاف وأنا على ما أقول شهيد.
تدرب على يديك عشرات الأطباء من الزملاء فما بخلت ولم تبخل بهذه المعرفة، وقرّبت عدد كبير من الاطباء ليعملوا معك وسمحت لهم وساعدتهم للولوج في هذا المجال ولم تنكفئ على نفسك وحدك، بل أثرت أن يكون هذا العلم والمعرفة متاحاً للجميع، وسوف يكون هذا ديدن طلابك وزملائك من بعدك وسوف يتوارثون هذا العلم جيلاً بعد جيل، وهذا عهد منّا بمواصلة السير على نفس الدرب.
نعم لقد كنت قدوةً ونموذجاً يُحتذى، وأعطيت كل ما لديك بلا حدودٍ ودون كللٍ أو ملل، وأديت رسالتك في مهنة من أصعب المهن وأهم الرسالات، رسالة العلم والطب.
فليوفقنا الله على السير في نفس الدرب ومواصلة نفس الرسالة.
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.
د/ شرف الدين التوم – استشاري جراحة العظام مستشفى شرق النيل
The post د.شرف الدين التوم: في رثاء بروفيسور شرف الدين الجزولي appeared first on باج نيوز.