الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
مشروع الجزيرة وامتداد المناقل كان لعقود عديدة من الزمان هو العمود الفقري لاقتصاد السودان وأهم مصدر للعملات المحلية والحرة التي ترد للخزينة العامة للدولة من عائدات صادرات القطن طويل التيلة ويعتمد عليه كمصدر مهم لتسديد مطلوبات الفصل الأول المتعلقة بتسديد المرتبات . والمساهمة في التنمية والخدمات مع تخصيص 2% من الأرباح للخدمات الاجتماعية بالجزيرة . وكان المشروع يعتبر من الأصول الاقتصادية القومية الكبري ولا يتسع المجال لإيراد تفاصيل مسيرته الطويلة منذ أن كان مزرعة تجريبية إلي أن أصبح اكبر مشروع زراعي مروي في إفريقيا …. والمؤسف إن عدداً من المنظرين الإنقاذيين في صالونات الترف الفكري الذين ليست لهم علاقة بالزراعة والمزارعين والإنتاج والمنتجين والعمل والعاملين اعتبروا أن مشروع الجزيرة وامتداد المناقل صنم يجب تحطيمه تدفعهم لذلك أوهام وتخيلات وترسبات نفسية ولم تكن لهم خطط مستقبلية واضحة الرؤى وكانوا كالثور في مستودع الخزف وحطموا أهم مؤسساته الراسخة وجعلوها قاعاً صفصفاً مثل سكك حديد الجزيرة والمحالج والهندسة الزراعية وأهملوا واضعفوا البحوث الزراعية وأهملوا أو باعوا السرايات والمكاتب وبيوت الخفراء والعاملين وارتفعت أسعار المدخلات الزراعية لأنها احتكرت في بعض المراحل لفئة صغيرة وعدد محدود من المستفيدين المسنودين بالسلطويين ولكن المتفق عليه أن المزارعين في الجزيرة وامتداد المناقل وكافة المنتجين في المشروع قد شمروا عن سواعد الجد واليهم يعود الفضل في الإنتاجية العالية التي أنتجها المشروع في القمح والتي يمكن أن تغطي نسبة معتبرة من الذي يحتاجه الوطن من الدقيق وينتجون إنتاجاً وفيراً في كافة المحاصيل الأخري وبإمكانهم أن يكونوا من أهم سلال الغذاء في السودان. ولو وجد المشروع الاهتمام الكافي علي المستوي الاتحادي لعاد سيرته الأولي عموداً فقرياً للاقتصاد ومصدراً مهماً لإيراد العملات المحلية والحرة في خزينة الدولة وساهم في إيقاف طباعة العملة رب رب رب وما يتبعها من شراء العملات الحرة من السوق الأسود ورفع أسعارها بسرعة صاروخية وكل شيئ مقدور عليه وبداية التصحيح تبدأ بإصلاح ما أفسده الدهر بانهيار التسلسل الهرمي لإدارة المشروع التي كانت في وقت مضئ تعمل بانضباط كساعة بق بن . وفي الماضي كانت اعقد قضية تحل بسهولة ويسر في جلسة مجلس إنتاج يحضرها الباشمفتش وعدد محدود من الصمودة والمزارعين ولكن بكل أسف أضحت أسهل القضايا عندما تحول لإدارة المشروع ببركات تتعقد وتأخذ سنين دون أن يوجد لها حل والشواهد عديدة أورد منها هنا مثالاً واحداً لقضية ذهبت بذكرها الركبان وأصبحت قضية رأي عام وتمثل ظاهرة ينبغي اخذ الدروس والعبر منها وكما قال إمام المتقين سيدنا علي كرم الله وجهه ( ما أكثر العبر وأقل الاعتبار ) وهذه هي القصة التي أوردها أدناه :
في عام 1967م قام امتداد جديد بمكتب تورس التابع لقسم وادي شعير ( قسم طابت حالياً ) ويسمي الامتداد وعرف منذ إنشائه وما شاء الله بالإنتاجية العالية . وظل المزارعون يزرعون في حواشاتهم به منذ عام 1967م وأسماؤهم مسجلة في كشوفات المزارعين بإدارة المشروع منذ ذلك الوقت ومسجلة عند إدارة الري وبعد ربع قرن من الزمان حولت في عام 1992م الدورة الزراعية بالمشروع من رباعية إلي خماسية وادي هذه لتبديل وتحويل مواقع حواشات المزارعين القديمة لمواقع جديدة ومن بينهم ثلاثة مزارعين ظلوا يزرعون في مواقعهم الجديدة لما يقارب العشرين عاماً وفجأة ودون ذنب جنوه أُلقي القبض عليهم الثلاثة وحبسوا في السجن وأفرج عنهم بالضمانة وقدموا للمحاكمة وأصل الحكاية أن أحد المواطنين اشتري أرضاً زراعية بالقرب من حواشات تقع بالترعة الثامنة مربوع ود شنينة بامتداد مكتب تورس واخبره من اشتراها منه وهو إنسان فاضل رحمه الله بأنه هو نفسه اشتري هذه الأرض الزراعية من مالكها الأصلي الذي اخبره بان له عدة أفدنة تابعة لها داخل حواشات مشروع الجزيرة وتقدم وكيل المالك الجديد بعريضة لإدارة مشروع الجزيرة ذكر فيها إن له سبعة أفدنة ونصف داخل المشروع ويحمل توكيلاً من شخصين آخرين لكل واحد منهما ثلاثة أفدنة أي إن مجموع ما يطالب به هو ثلاثة عشر فداناً ونصف ورد عليه مولانا عبد الرحمن محمد أحمد رئيس الإدارة القانونية بمشروع الجزيرة وامتداد المناقل وقد عرف بالمهنية العالية والحزم والورع بأن قراراً رئاسياً صدر في عام 1970م فيه توجيه وأمر بأن تحل مثل هذه المسائل إدارياً داخل المشروع وألا تحول للقضاء وأن الأرض المشار إليها أضحت حواشات منذ عام 1967م ومسجلة بأسماء المزارعين الذين يزرعون فيها منذ ذلك الوقت وإذا ثبت بالدليل القاطع أن لكم عدداً من الأفدنة ضمن تلك الحواشات سيتم تعويضكم عنها تعويضاً مجزياً يرضيكم ولكن الشاكي رفض ما ذكره مولانا وأصر أن تقطع لهم أفدنتهم من الحواشات وأدرك انه لو تقدم بشكوى جنائية ضد المشروع لن ينال ما يبتغيه وسيحول لقسم التعويضات لتعويضه وفكر في تقديم شكوى ضد المزارعين الثلاثة المشار إليهم آنفاً وباتفاق مع مساح المشروع وقتئذ أخذ منه شهادة تفيد بأن الزارعين ولم يقل المزارعين قد تعدوا علي أرضه من تلقاء أنفسهم وتمددوا خارج المساحة التي حددتها لهم إدارة مشروع الجزيرة وقدم هذه الشهادة وفتح بلاغاً تم بموجبه حبس الثلاثة مزارعين بالسجن واخرجوا منه بضمانات من ذويهم وقدموا للمحاكمة وطلب محاميهم استدعاء المساح المشار إليه وطلب منه مولانا قاضي محكمة الموضوع الموقر أن يؤدي القسم علي المصحف الشريف واضطر لقول الحقيقة وذكر أن هؤلاء المزارعين أبرياء وأنهم يزرعون في حواشات مسجلة بأسمائهم بإدارة مشروع الجزيرة منذ إنشاء الامتداد وفي سجلات الري منذ عام 1967م ولم يعتدوا علي أرض الشاكي وزجره مولانا علي عدم أمانته وكتابته شهادة زور أنكرها وتبرأ منها داخل المحكمة وأعلن مولانا حكمه ببراءة المزارعين وشطبت القضية الجنائية ضدهم وكان بإمكان المزارعين فتح بلاغ ضد الشاكي وضد المساح ولكنهم لاعتبارات تتعلق بصداقة الآباء سامحوا الشاكي وسامحوا المساح الذي لا زال يردد حتي الآن عندما يلتقي بأحدهم ( لعن الله الشيطان الذي غرر بي ورماني في حبائله ) والذي يدعو للدهشة والتعجب أن رئيس رابطة المزارعين اتصل بمسؤول كبير يشغل منصباً قيادياً بالمشروع وأخبره بأن ثلاثة من المزارعين زج بهم في السجن وسيقدمون للمحاكمة دون ذنب جنوه ومن واجبكم الدفاع عنهم وتأكيد أنهم مزارعون لم يعتدوا علي ارض غيرهم ويمكن تكليف المساح للقيام بزيارة ميدانية وإثبات هذه الحقيقة ورد عليه المسؤول القيادي بكل مساخة ( يسجنوا أو لا يسجنوا هذا أمر لا يهمني والمحكمة هي التي تثبت إدانتهم أو براءتهم !!) واتصل به ثلاثة آخرون ورد عليهم بذات الأسلوب … ونُقل القاضي لمحكمة أخري وحل محله قاضي آخر ليس له علم بتفاصيل ما جري بالمحاكمة الماضية وما أدلي به المساح داخل المحكمة وبعد فترة قدم الشاكي شكوي في قضية مدنية وفي إحدي الجلسات سلم المحكمة الموقرة شهادة وصفت بأنها سرية من إدارة مشروع الجزيرة وفيها إفادة من مستشار قانوني تولي بالإنابة رئاسة الإدارة القانونية في غياب رئيس الإدارة الفعلي وأورد في شهادته أن المزارعين تمددوا في أرض الشاكي من تلقاء أنفسهم ولا علاقة لمشروع الجزيرة بهذه الأرض . وبالطبع إن القاضي الموقر يحكم بموجب ما يتوفر له من أدلة ومعلومات واعتماداً علي الشهادة الصادرة عن إدارة مشروع الجزيرة قضي بنزع الأرض من المزارعين وردها للشاكي وقدرها كما ورد بالشكوى المثبتة في المضابط ( ثلاثة عشر فداناً ونصف ) وقدم المزارعون عبر محاميهم استئنافاً لمحكمة الاستئناف وآخر فيما بعد للمحكمة العليا التي أيدت حكم محكمة الموضوع … ومن المبكيات المضحكات أن المستشار المشار إليه ذكر بعد أن كثرت التساؤلات الغاضبة والمستنكرة أنه أستند في شهادته التي كتبها علي شهادة المساح وغضب المساح غضبة مضربة وردد أن تلك كذبة كبيرة وأنه لم يدلي للمستشار بأي شهادة شفاهةً ولا كتابة وشهادته السابقة التي نفاها وأعتذر عنها لا توجد عنده ولا عند غيره صورة منها .وعندما استيقظ ضمير المستشار في وقت لاحق ذكر لشهود لا زالوا موجودين أنه أخطأ وقد أنساق وراء المسؤول القيادي المشار إليه الذي أقنعه بحيلة ماكرة بضرورة كتابة شهادة الزور تلك . ومن حق الجميع أن يتساءلوا عن سبب اندفاع المسؤول القيادي بمشروع الجزيرة ووقوفه ضد المزارعين والكيد لهم رغم عدم وجود عداوة بينهم لعدم وجود معرفة سابقة بهم واندفاعه في الوقوف مع الشاكي وتقديمه للمساح وغيره وتبني قضيته رغم أنه لا توجد بينه وبين الشاكي سابق ولا لاحق معرفة وليست بينهما صداقة أو تواصل اجتماعي متبادل وإحقاقاً للحق تؤكد كل المؤشرات والدلائل أنه لا توجد شبهة فساد وليس بينهما راشي ومرتشي ولا مصلحة متبادلة بينهما لا سابقة ولا لاحقة ولكن يغلب الظن أن سبب اندفاع المسؤول ليكون في هذه القضية ملكياً أكثر من الملك وكاثوليكياً أكثر من البابا . إن إنساناً عرف بالرزانة وهدوء الطبع إلتقي بالمسؤول الذي تربطه به سابق معرفة وعلاقة قديمة وبحسن نية عرض عليه قضية الشاكي الذي قدم طلباً مشروعاً لمعرفة مصير أفدنته الداخلة في مشروع الجزيرة ولا جناح ولا تثريب علي الشاكي أو الوسيط ولم يرتكبا أي خطأ ولكن يبدو أن المسؤول أراد اهتبال الفرصة الذهبية للتقرب للوسيط الذي يشغل موقعاً هاماً وأراد أن يقدم السبت ليجد الأحد .
وسعي المزارعون لمقابلة السيد المدير العام للمشروع الذي كان في البداية يتجهم حين يلقاهم وصاح مرة ماذا أفعل وقد أصدرت المحكمة العليا حكمها ؟ وحمل المسؤولية لغيره من مرؤوسيه وصدرت منه آهة حرى وهو يردد لقد ارتحت من ملاحقة الولد الشاكي الذي كان يلاحقني بأوراقه في كل مكان وها أنا أقع في شِبكة أخري فماذا أفعل ؟ ويبدو أنه كان عازماً علي منع أي مقابلة بعد ذلك ومعه حرس مسلح ولحسن حظ المزارعين أنهم حين دخلوا عليه وجدوا معه رئيس الإدارة القانونية للمشروع المعروف بالورع والتقوى والنزاهة ولا تأخذه في قول كلمة الحق لومة لائم وذكر للمدير العام أنه ملم بتفاصيل القضية وسيدلي برأي شخصي وليس رسمي لأن أحداً لم يطلب منه ذلك وهو غير متورط في كتابة شهادة زور بإسم المشروع وفي رأيه أن إدارة المشروع ظلمت هؤلاء المزارعين الأبرياء وعليها يقع الوزر وتقع المسؤولية عليك أنت شخصياً إذا مرر الخطاب من داخل مكتبك بعلمك أو من وراء ظهرك بلا علمك ومثل هذه النصيحة في وجه المسؤول مباشرة لا تصدر إلا من رجل شجاع واثق من نفسه . وعلي الفور وبطريقة ( الجس بعد الضبح ) أصدر المدير العام قراراً بتشكيل لجنة خماسية برئاسة السيد عبد الله كريبة وضمت اللجنة المساح وطلب منهم أن يذهبوا في زيارة عمل ميدانية لإمتداد تورس ويوافوه خلال إسبوع بتقرير عن التمدد المزعوم وهل هو حقيقة أم كذبة ووافته اللجنة بتقرير ضافي أكدت فيه براءة المزارعين وعدم تمددهم في أرض الشاكي وأنهم ظلوا يزرعون في المساحة المحددة لهم والمسجلة بأسمائهم في السجلات الرسمية لإدارة المشروع إدارة الري وأصر المزارعون علي أخذ نسخة من التقرير وبعد شد وجذب حصلوا علي نسخة منها صوروا منها عدة نسخ وبناءً علي ذلك التقرير كتب لهم السيد المدير العام الذي صعد بعد ذلك لمنصب محافظ المشروع شهادة برأهم فيها وذكر أن تلك الأفدنة داخل المشروع التي يمتلكها الشاكي ومن وكلوه تقع المسؤولية فيها علي إدارة المشروع وليس علي المزارعين الأبرياء الذين ليس لهم ذنب في ذلك وكتب لهم المساح السابق قبل إقالته من موقعه شهادة برأ فيها المزارعين تماماً وذكر لهم أمام جمع من الحاضرين إنه يأسف للشهادة التي كتبها واعتذر عنها داخل المحكمة أما الشهادة الثانية التي كتبها المستشار فلا علاقة له بها من قريب أو بعيد . والمدير العام الذي صدر قرار رئاسي بتعيينه محافظاً طلب من المستشار الذي كتب شهادة الزور أن يكتب شهادة لإدارة المراجعة بالقضائية يعتذر لهم فيها عن الخطأ الذي أرتكبه وأضحي المستشار في وضع لا يحسد عليه وكتب رسالة مقتضبة وذكر الشاب الذي طبعها للمزارعين ان المستشار ابتدرها بقوله إنه أخطأ والرجوع للحق فضيلة وأعطي نسخة للمحافظ ولا يدري أحد بعد ذلك هل ارسلها بالبريد كما وعد أم أنه لم يرسلها وشارك أستاذ جامعي وقانوني ضليع مع محامي المزارعين في كتابة مرافعة قوية رفعوها لمحكمة المراجعة القانونية برئاسة القضائية وأرفقوا معها الشهادات المشار إليها وجاءهم الرد بأن هذه المرافعة والشهادات المقدمة كان ينبغي أن تقدم لمحكمة الموضوع ولذلك فإن محكمة المراجعة ترفضها . وقبلها كانت إدارة مشروع الجزيرة قد طلبت من المزارعين التوقف عن زراعة قصادهم الخامس وقدره أربعة وعشرين فداناً حتي يتم الفصل في القضية وحسمها حسماً نهائياً وامتثل المزارعون لهذا الأمر وظلوا منذ ذلك الوقت ولعدة سنوات يزرعون أربعة قصادات فقط وكانت لهم قبل سنوات مائة وعشرين فداناً أصبحت ستة وتسعين فداناً . وظلت الأربعة وعشرين فداناً التي منع المزارعون من زراعتها يزرعها كلها غيرهم ولا يهمهم من يزرعها لأن هذه هي مسؤولية غيرهم ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولكن السؤال الذي يؤرقهم ولم يجدوا له إجابة هو أين يجدون حقهم الضائع ؟ وبعد صدور القرار تقدم الشاكي بعريضة للمحكمة يطالب فيها برسومه وأتعابه وسدد المزارعون المبلغ المطلوب امتثالاً للحكم الصادر . وبعدها تقدم الشاكي بعريضة للمحكمة طالب فيها المزارعين بتعويضه مائتين وتسعين مليون جنيه ( بالقديم ) لقاء السنوات الطويلة الماضية التي كانوا يزرعون فيها في أرضه التي زعم أنهم اعتدوا عليها وكان المبلغ كبيراً بمقاييس تلك الأيام والمتوقع أن تشكل المحكمة لجنة لتقدير المبلغ المناسب وقبل أن تبدأ المحكمة النظر في القضية التقي الشاكي بصديق عزيز للمزارعين اسمه ( ع .خ) أطال الله عمره ومتعه بموفور الصحة والعافية وإلتمس منه أن يطلب من المزارعين أن يجلسوا معه مع مشاركة الوسيط وآخرين ليصلوا لاتفاق ويدفع المزارعون المبلغ الذي يتم الاتفاق عليه وبعد استلامه يشطب القضية وطلب المزارعون من صديقهم أن يبلغ الشاكي رفضهم لهذا العرض وعليه أن يمضي في قضيته ولا يتوقف وسيدفعون أي مبلغ تقدره وتقرره المحكمة الموقرة. وفي الجلسة الأولي غاب محامي المزارعين لأنه كان مريضاً ولم يستطع تقديم مرافعته ولم يقدم اعتذاراً ورفض مولانا تقديم المحامي لمرافعته في الجلسة التالية ولحسن حظ المزارعين أن أحد الذين أوكلوا الشاكي تقدم للمحكمة بعريضة ينفي فيها توكيله للشاكي ليطلب باسمهم تعويضاً مالياً وكان الموكل الآخر غائباً ولو كان حاضراً لفعل نفس الشئ وأتاحت هذه المستجدات الفرصة للمزارعين للبدء من جديد وفي غياب محاميهم لمرضه اتفقوا بعد الاستئذان منه علي اختيار محامي آخر ليقوم بالمهمة واخبرهم المحامي الثاني أن الحكم الصادر استناداً علي شهادة الزور تفرض عليكم دفع قيمة التعويض بعد تقديرها ولكن سأجد لكم منفذاً واحداً ينقذكم وهو أن محاميهم أخطأ وكان عليه أن يضمن هذا الطلب منذ البداية في العريضة والشكوى الأولي ولولا هذا الخطأ الإجرائي لتم تغريمكم وبموجب عريضة ومرافعة المحامي الثاني رفض مولانا القاضي طلب الشاكي ومحاميه وشطب الطلب. … وقد حرم المزارعون من زراعة أربعة وعشرين فداناً لعدة سنوات وسجنوا وغرموا قبل ذلك وأنفقوا كثيراً ودفعوا أتعاب المحامين مع تضييعهم للوقت في المحاكم متهمين لا شاكين ومدافعين لا مهاجمين ولو لا شطب تلك العريضة المشار إليها لغرموا ذلك المبلغ الكبير .
وبعد ذلك وجه السيد المحافظ دعوة للمزارعين الثلاثة وحدد لهم موعداً لعقد اجتماع معهم بمكتبه وفي الوقت المحدد عقد الاجتماع بحضور كافة مديري الإدارات وابتدر السيد المحافظ الاجتماع بتقديم اعتذار للمزارعين وأعلن أن إدارة المشروع تعترف بالخطأ الفادح الذي ارتكبته وتحدث كل الحاضرين وابدوا أسفهم البالغ لما حدث واعتذروا للمزارعين إلا واحداً منهم لم يكن متجاوباً هو القيادي المشار إليه وشكر المزارعون السيد المحافظ والسادة الكرام الذين حضروا الاجتماع علي دعوتهم الكريمة وروحهم الطيبة التي ابدوها وقرر السيد المحافظ تكوين لجنة لتعويض المزارعين عن موسمين زراعيين حرموا فيهما من زراعة قصادهم الخامس وأوفي بعهده وقدم لهم شيكاً صرفوه ووزعوه بينهم بعد أن صوروه كمستند يثبت انتزاع قصاد كامل منهم بشهادة زور ولم تصرف لهم بعد ذلك تعويضات عن أربعة مواسم زراعية لم يزرعوا فيها قصادهم الخامس ومن حقهم أن ينالوا استحقاقاتهم وهم لا يرضون لأنفسهم عفة منهم أن يأخذوا شيئاً لا يستحقونه مع رفضهم أن يدخلوا عليهم مالاً حراماً ليس من حقهم .
وذكر موظف كان يعمل بتسجيلات أراضي ولاية الجزيرة واسمه بابكر فور تقاعده بالمعاش أنه علي علم من قريب ومن بعيد بكل أبعاد موضوع مربوع ود شنينة بامتداد تورس ويريد أن يبرئ ذمته أمام الله سبحانه وتعالي قبل أن يرحل من هذه الدنيا الفانية ولعاعاتها الزائلة وذكر أن كل إجراءات التسجيل كانت مكتملة بمشروع الجزيرة وبتسجيلات مديرية النيل الأزرق بوضعها القديم السابق وكان المفترض إرسال الأوراق من رئاسة التسجيلات بالمديرية للمسجل العام لأراضي السودان بالخرطوم ليكتمل التسجيل النهائي ولكن لسوء الحظ أخطأ الباشكاتب وأرسل ملفاً آخر وبقي هذا الملف قابعاً بود مدني منذ عام 1967م والمهم أن الموظف المتقاعد بابكر استطاع بعد أن أصدرت المحكمة حكمها الحصول عليه وإرساله لبركات واتصل السيد المحافظ بالسيد مسجل عام أراضي السودان وحدد معه موعداً لاجتماع يعقده معه بمشاركة عدد من المسؤولين بولاية الجزيرة وفي الوقت المتفق عليه عقد الاجتماع الذي شارك فيه مولانا مسجل عام أراضي السودان وهو قاضي محكمة عليا والسيد محافظ مشروع الجزيرة والسيد مدير الإدارة القانونية لمشروع الجزيرة والسيد مدير الإدارة القانونية بولاية الجزيرة والسيدة الفضلة مسجلة أراضي الجزيرة ومساح المشروع والسيد مدير مكتب مشروع الجزيرة بالخرطوم وصحبوا معهم السيد بابكر الموظف المتقاعد بالمعاشات الذي أدلي بإفادة كاملة عن الموضوع الذي كان يلم بكل إبعاده واقتنع مولانا المسجل العام لأراضي السودان بأن المزارعين ظلموا ولكنه لا يستطيع إكمال التسجيل رغم أن كل شئ كان مكتملاً حتي مرحلة إيداع التسجيل بمكتب تسجيلات أراضي مديرية النيل الأزرق الكبرى منذ عام 1967م وبإمكانه أن يكمل التسجيل في لحظات ولكن صدور قرار قضائي يمنعه من إكمال التسجيل والحل الوحيد كما ذكر عند السيد رئيس الجمهورية وإذا أمر سيادته بإكمال التسجيل فإنه سيفعل ذلك فوراً استناداً علي هذا الأمر الرئاسي ولكن الأمثل في تقديره هو المضي في المسار القانوني والأفضل في هذه الحالة صدور توجيه رئاسي بإلغاء الحكم السابق وإعادة القضية لمحكمة الموضوع مرة أخري ولن يضيع حق الشاكي في أراضيه ولن تسلب من المزارعين أراضيهم في حواشاتهم التي ظلوا يزرعونها منذ عام 1967م وأعد الحاضرون مذكرة وقعوا عليها جميعاً وحملها السيد المحافظ وقدمها للسيد وزير الزراعة ورئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة ليرفعها للسيد رئيس الجمهورية وقرأ السيد الوزير المذكرة وأقتنع بما ورد فيها ولكنه طلب أن يجيز مجلس الإدارة المذكرة ليتسني له بعد ذلك رفعها للسيد رئيس الجمهورية مسنوداً بموافقة المجلس . وبدأت قصة طويلة فصولها مثيرة ( وخلوها مستورة ) واجتماعات مجلس الإدارة تعقد في فترات متباعدة وكان الموضوع المشار إليه يوضع في بند موضوعات أخري ويتم تأجيله من اجتماع لآخر ولعل أوراقاً كثيرة قد ضاعت من الملف ومنها الوثيقة الهامة التي أتي بها السيد بابكر وبعد زمن طويل وملاحقات كثيرة عرض الموضوع للنقاش وقدم اقتراح بإيجاد أرض بديلة للمزارعين تعرض عليهم ليوافقوا عليها أو يرفضوها ويقدم ما يتم التوصل إليه لمجلس الإدارة . وأحاط المساح الجديد السيد المحافظ علماً بوجود أرض مرتاحة بمكتب الأمير ود البصير وتقع غرب مكتب أم قرقور علي بعد مسافة تسعة كيلو مترات من قصادات المزارعين الأربعة الأخرى أي أن كل مزارع منهم يحتاج لطيارة هيلوكبتر ليتنقل بها بين القصاد الخامس والقصادات الأربعة الأخرى !!! وذهب المساح والسيد مدير الإدارة القانونية بالمشروع بتكليف من السيد المحافظ وذهب معهم المزارعون المظلومون والأرض المشار إليها هي أرض مرتاحة والأراضي المرتاحة بالمشروع هي أقل جودة من أراضي الحواشات وأراضي أم قرقور المشار إليها هي أقل الأراضي المرتاحة جودة وهي أرض رملية مليئة بالحصي ومليئة بالضريسة والحسكنيت أما الحواشات بامتداد تورس عالية الجودة والخصوبة فإن بعض الحواشات ذات الأربعين فداناً والخمس قصادات بيعت بحوالي عشرين مليار جنيه بالقديم ويعني هذا أن قيمة الأربعة وعشرين فداناً الداخلة في المشروع وليست الخارجة منه تساوي علي أقل تقدير عشرة مليارات بالقديم ( وهي لن تعرض للبيع ) ولكن أوردت ذلك للمقارنة بين هذه الأرض وتلك وتكون إدارة المشروع قد ساهمت في نزع أرض المزارعين وهي كالذهب النضار المختوم وتستبدلها لهم بصفيح قديم صدئ – وإذا قفلت هذه الصفحة ( ومجبراً أخاك في باطل ) فإن البديل الذي إتفق عليه كل الزراعيين و الإداريين الذين عملوا بالمشروع أو لا زالوا يعملون هو كسر النمرة وإعادة توزيعها بين المزارعين وأكد الزراعيون وجود عشرات النمر التي تمت فيها عملية الكسر والتقسيم بمشروع الجزيرة وامتداد المناقل واقتنع السيد المحافظ بهذا الحل ولكن بدا واضحاً أن التنفيذ سيسبب له حرجاً دون الافصاح عنه ولهذا آثر أن يأتيه القرار من جهة أعلي والتقي بالسيد وزير الزراعة الحالي ورئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة وامتداد المناقل وعرض عليه هذا الحل وذكر للمزارعين أنه مهد لهم الطريق وطلب منهم أن يتصلوا بالسيد الوزير ويشرحوا له قضيتهم ويعرضوا عليه هذا الحل ولم يتم هذا حتي تم إعفاء السيد المحافظ من موقعه وظل يتواصل مع المزارعين عبر الجوال معلناً أن أي جهة لو استشارته سيقدم لها هذا الحل ولا زال الموضوع معلقاً وظل المزارعون المظلومون ولعدة سنوات يدورون في حلقة مفرغة ( دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت !!) والأمر من قبل ومن بعد متروك للعناية والعدالة الإلهية التي لا يظلم عندها أحد .
The post السودان: صديق البادي يكتب: إدارة مشروع الجزيرة وقصة أغرب من حكايات ألف ليلة وليلة appeared first on الانتباهة أون لاين.