في خضم تصاعد الصراع المسلح داخل السودان، انتشرت في الأيام الأخيرة تقارير ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أن طائرات مصرية نفذت غارات جوية ضد مليشيا الدعم السريع داخل الأراضي السودانية. وقد أثارت تلك المزاعم تفاعلاً واسعاً بعد تصريحات لقائد المليشيا، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أشار فيها إلى أن القصف الجوي الأخير منسوب إلى “الطيران المصري”، وهو ما روجت له بعض المنصات الإعلامية بشكل واسع.
غير أنّ مركز مكافحة الشائعات التابع لنقابة الإعلاميين المصريين بالقاهرة سارع إلى نفي صحة هذه الادعاءات، موضحاً أن الفيديو المتداول والذي يظهر فيه مواطنون سودانيون يهتفون “تحيا مصر والسودان، جيش واحد، شعب واحد”، فيديو قديم يعود إلى سبتمبر 2024، حين احتفلت الجالية السودانية في مصر بتقدم الجيش السوداني ضد المليشيات، ولا علاقة له بالأحداث الجارية حالياً. كما شدد المركز على أنّ مصر لم تنفذ أي عمليات عسكرية داخل السودان، مؤكداً أنّ سياستها تقوم على عدم التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول، وأن الحل في السودان سياسي بحت كما صرح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مؤخراً.
من منظور تحليلي، لا توجد أدلة ميدانية أو صور أقمار صناعية أو بيانات عسكرية موثوقة تؤكد أي تدخل جوي مصري في السودان. فالقصف الجوي الجاري يتم عادة عبر تخطيط عسكري داخلي وتنسيق بين وحدات الجيش السوداني، دون مؤشرات لتورط أطراف خارجية. ويرى محللون عسكريون أنّ تداول مثل هذه الشائعات يدخل في إطار الحرب النفسية والدعاية السياسية التي تهدف إلى رفع معنويات بعض الأطراف المتقاتلة أو خلق انطباع بتغير موازين القوى.
إنّ نشر المعلومات غير المؤكدة في مثل هذه الظروف المعقدة يُربك المشهد الميداني والسياسي، ويؤدي إلى تعميق الانقسامات وزيادة التوتر الإقليمي. لذلك فإن التحقق من المصادر الرسمية والابتعاد عن التهويل الإعلامي يظلّ ضرورة قصوى في التعامل مع ملف حساس مثل الأزمة السودانية، التي تتشابك فيها الأبعاد العسكرية والسياسية والإقليمية.
ويبقى الوصول إلى الحقيقة الكاملة حول أي تدخل خارجي في السودان مسؤولية جماعية، تتطلب عملاً مهنياً وتحليلاً موضوعياً يهدف إلى حماية استقرار السودان والمنطقة، بعيداً عن الاستخدام الدعائي أو التحريضي للأحداث.






