اخبار السودانتقارير وحوارات

حين يصبح الحُكم في دارفور”بالقوة لا بالشرعية”.. أين يقف مناوي؟

تحليل سياسي – بهاء الدين عيسى

في تطورٍ لافت يعكس تحولات مٌعقدة في المشهد السياسي السوداني، أطلق مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان، الجمعة تحذيرات صريحة من وجود “مشروع لتقسيم السودان”، متّهماً أطرافاً داخلية وخارجية بالسعي لفرض واقع انفصالي عبر ما وصفه بـ”الحكومات الموازية”.

من لغة الانفتاح إلى خطاب التحذير

قبل أيام، بدا مناوي مرناً في خطابه، إذ أعرب عن عدم ممانعته للحوار مع الدعم السريع، شريطة أن يتم ضمن تفاوض شامل يضم مختلف القوى السياسية والعسكرية. غير أن نبرته تغيرت في تصريحاته الأخيرة، لتتخذ منحىً تحذيرياً حاداً، وسط مؤشرات على إعادة تشكيل خارطة النفوذ في دارفور بعيداً عن مركز ثقله السابق.

تصاعد هذا الخطاب لا يمكن فصله عن التطورات الميدانية، حيث أعلنت قوات الدعم السريع تشكيل حكومة انتقالية موازية برئاسة قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتعيين عبد العزيز الحلو نائباً له. خطوة رأى فيها مراقبون تجسيداً لخطة فرض الأمر الواقع، لا سيما في ظل غياب أي رد حاسم من الحكومة المركزية في بورتسودان، وانكفاء الجيش عن المشهد في الإقليم.

المٌورال في مرمى العزلة

مع تفكك الاصطفافات التي تشكلت عقب توقيع اتفاق جوبا، يجد مناوي نفسه في موقع هش. فحلفاؤه في المركز باتوا أكثر انشغالاً بترتيب أوضاع الشرق والوسط، بينما تتسع سيطرة الدعم السريع في دارفور، ما يضعف من قدرة الحركات الموقعة على الاتفاق – ومنها حركته – على الحفاظ على وزنها السياسي والميداني.

تراجع دور مناوي لا يبدو ناتجاً عن خسارة عسكرية مباشرة، بقدر ما يعكس انزياحاً في موازين التأثير، مع بروز قوى جديدة مدعومة بتحالفات أوسع، كتحالف حميدتي–الحلو، وهو ما يهدد بإعادة تشكيل الإقليم على أساس مغاير لمعادلة ما بعد جوبا.

هل طُرح سيناريو “الحكومات الثلاث” دولياً؟

من أبرز ما ورد في خطاب مناوي الأخير، كشفه عن تلقي اتصال من سفير “دولة كبرى” استفسر خلاله عن رأيه في فكرة تقسيم السلطة في السودان عبر ثلاث حكومات. ورغم تحفظه على التفاصيل، فإن مجرّد طرح هذا السيناريو على الطاولة – بحسب قوله – يمثل مؤشراً خطيراً على قبول دولي محتمل بـ”تفكيك ناعم” لوحدة البلاد، سواء كحل مؤقت أم تسوية دائمة للصراع.

هذا الطرح، إن ثبت، يُعبّر عن انتقال السودان من أزمة سياسية داخلية إلى معادلة إقليمية ودولية أكثر تعقيداً، قد يكون فيها الإقليم عرضة لتجريب نماذج “الفيدرالية المفروضة” أو حتى “التعدد السيادي”، بما ينذر بانهيار مبدأ الدولة المركزية الموحدة.

الجيش.. الغائب الحاضر

في ذات التصريحات، وجه مناوي نقداً غير مباشر للمؤسسة العسكرية، مشيراً إلى مسؤول رفيع يرى أن الحرب في الأطراف ليست ذات أولوية مقارنة بالصراع في المركز. هذه الرسالة تنطوي على اتهام ضمني بإهمال دارفور، وربما تهدف إلى دفع الجيش لاتخاذ موقف أوضح من إعلان الحكومة الموازية في الإقليم.

هذا الانتقاد يسلط الضوء على مأزق السلطة الانتقالية: فبينما تسعى لتثبيت شرعيتها من خلال التركيز على الخرطوم والجزيرة، تفقد الأطراف زمام المبادرة لصالح قوى تفرض نفسها بحكم السيطرة لا عبر الشرعية.

دارفور بين تعدد الرؤوس ومشاريع التفكك

تصاعد التعدد السياسي والعسكري داخل دارفور ينذر بتحول الإقليم إلى ساحة صراع مفتوح بين الفاعلين المحليين، في ظل غياب مرجعية موحدة. فوجود حكومة أمر واقع بقيادة حميدتي، وتحالفه مع الحلو، يعني عملياً إنشاء محور سياسي جديد يتجاوز اتفاق جوبا ويقصي أطرافه.

هذا الوضع يضع مناوي وقوى الاتفاق أمام خيارات محدودة، أبرزها:

الاصطفاف إلى جانب الجيش، بما ينطوي عليه من مخاطرة عسكرية.

محاولة تشكيل تكتل ثالث يستند إلى ما تبقى من شرعية الاتفاق.

الانكفاء إلى الخلف بانتظار تبلور تسوية شاملة، وهو خيار قد يفضي إلى التآكل السياسي التام.

سؤال اللحظة: هل فات قطار التأثير؟

التحذير الذي أطلقه مناوي يُقرأ كمحاولة استباقية للحفاظ على موقعه في معادلة تتغير بسرعة. لكن يبقى السؤال الأهم:

هل يمتلك مناوي وحركته ما يكفي من النفوذ والموارد لإعادة التموضع؟

أم أن تحالفات ما بعد الحرب رسمت مشهداً جديداً، تجاوز فيه مركز القرار قادة اتفاق جوبا إلى قوى تملك الأرض والسلاح والدعم الخارجي؟

في ظل صمت المركز وتعدد الأذرع العسكرية، يبدو أن الإجابة ستتضح على أرض دارفور لا على طاولة التفاوض.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

بهاء  الدين عيسى

صحفي سوداني بارز، نال جائزة “أفضل إنجاز صحفي” ضمن مشروع كلمات سودانية من المؤسسة الفرنسية للتنمية، يُعرف بجرأته في التحقيقات الاستقصائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى