مقالات

بأيِّ حالٍ عدتَ يا عيد؟

تابعنا على واتساب

للحقيقة لسان

رحمة عبدالمنعم

«بأيِّ حالٍ عدتَ يا عيد؟»

في بلادٍ اعتادت أن تختبر الفرح كما تُختبر المعادن الثمينة تحت النار، يهلّ عيد الأضحى هذا العام على السودانيين ومعه ملامح فرح لم يعهدوها منذ اكثر من عامين،فرحٌ ليس عابراً ككسرة خبز تُرمى للجياع، بل فرحٌ شامخ كراية مرفوعة على أرضٍ حرّرها أبناؤها من دنس ميليشيا الدعم السريع، وصانوها بدماء لم تجف بعد.

ها هم أهالي سنار والجزيرة والخرطوم يعودون إلى قراهم ومدنهم، لا كلاجئين، بل كأصحاب حقّ، وكمن لم ينكسر رغم وجع التشريد وألم الفقد، المدن التي كانت بالأمس أسيرة خوف، تغتسل اليوم من رماد الخراب، وتتهيأ لأن تستقبل العيد بوجه جديد، خالٍ من بنادق المرتزقة ومن رائحة البارود، وكأن هذا العيد قد اختار أن يولد من رحم الصبر، وأن يُكتب على جبينه: “عيد النصر”.

في الشوارع التي دُفنت فيها الضحكات، تعود زغاريد النساء لتعلو، وعلى عتبات البيوت، تقف الأمهات بقلوبٍ تنضح امتناناً، بعد أن رأين أبناءهن يعودون من جبهات القتال أو من دروب النزوح، أحياءً وأبطالاً، الأطفال، أولئك الذين سرقت الحرب طفولتهم، سيركضون بثياب العيد، كأنهم يعيدون تشكيل مشهد الوطن بحذاءٍ جديد وابتسامة نقيّة.

ولأن الفرح لا يكتمل إلا بوعدٍ أكبر، فإن السودان كله يعلّق آماله على الزحف العظيم نحو كردفان ودارفور، لتحرير ما تبقّى من أرضٍ دنّستها ميليشيا الجنجويد،الفاشر تلك المدينة التي صمدت كأنها أنثى ترفض الانحناء، تترقب بفارغ الصبر فك الحصار، لتغني مع باقي المدن أغنية الخلاص.

وسط هذه الانتصارات، يخفق قلب السودان بإيمان جديد، ويتعلق الناس بحلم الدولة القادمة، حيث يُنتظر أن تُعلَن حكومة الدكتور كامل إدريس الجديدة في خواتيم يونيو، لتبدأ رحلة البناء لا الهدم، والعمران لا الخراب، والعدل لا الفوضى، حكومةٌ يراد لها أن تكون صوتاً للناس لا عليهم، تُعيد ترتيب المعاش وتداوي الجراح، وتعيد للسودانيين شعورهم بالوطن لا كمكان، بل كمعنى.

سيخرج الناس في العيد يردّدون، كما غنّى أهل الحي ذات فرح:”ما أظن في الدنيا زي عيدنا في السودان، فرحة صغار الحي والعيد مع الجيران…” وسيتساءلون، كما تساءل المتنبي:”بأي حالٍ عدت يا عيد؟”،وسيجيبهم العيد، هذه المرة، بصوت الخرطوم وقد تطهّرت، وسنار وهي تتزيّن، والجزيرة وهي تضم أبناءها من جديد:”عدتُ على وطنٍ ينتصر، على شعبٍ لا ينكسر، وعلى عيدٍ صار اسمه الآخر… الحريّة”.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى