السودان اليوم:
عودة لمقال يوم أمس الاول (فطور حقّار يوم العيد) والذى جاء فى مُجمل السَرْد الروائئ فى غير ما عناءٍ من الكاتب كونُه جاء بالفرشاة والالوان لرسم لوحة بأشخاصها وجغرافيتها من داخل أزقة القرية، المقال نال كثير من الإستحسان من القُراء الكرام ومنهم من تواصل معى ولسان حالة يقول لى (بلاش) تكتب فى السياسة و(قرّط على كده) كالاستاذ الجيلانى محمد طه من الأمارات ووافقه الكثيرون من أبناء القرية، الأستاذ الصحفى المُخضرم محجُوب فضل بدري كتب مُعلقاً من القاهرة: وكأني تذوقتُ فطُور (حقّار) فسردُكم الرائع جعلني رأيتُ فُرقان العرب والعلقماب وزريبة حمار أحمد ود حمد النيل وأوغل فى التجوال مع المقال وختم تعليقه قائلاً أنه لم يرى من (العيكورة) سِوي اللافتة على الاسفلت وهو يمرُ عبره مرتين اسبوعياً على الأقل عندما كان مُديراً لتلفزيون الجزيرة بمدنى غير أن المقال أتاح له فرصة التجواُل بداخلها ، الاستشاري الدُكتُور بشير ابراهم حاج البشير من (جدة) لم يُخفى إعجابه بالسَردْ واصفاً المقال بأنه لوحة فنية تذكره بعباقرة مدرسة الخرطوم للفن التشكيلى
مُشيراً الى أن الكتابة بعيداً عن السياسة أكثرُ إبداعاً حسب رأيه ، الأستاذ عبد الرحمن أحمد التاي من السعودية علّق قائلا إن الكتابة بالسرد الروائي لا تقدحُ فى مقدرة الكاتب على تناوُل الأحداث السياسية وافقه الرأى الأستاذ عبد الرحمن الرضي محمد نور . الأستاذ كمال عوض نائب رئيس التحرير صحيفة [الانتباهة] أشاد بالمقال واصفاً قلم الكاتب ب (الطاعم) يقول أنه عرف (العيكورة) وأزقتها وبيوتها المكان والناس والمواقف والحياة من قبل أن يراها مُقترحاً أن (يدق) الكاتب صدره لكتابة الرواية الاولى مُشيداً بدقّة السرد والتصوير واصفهما (بالعجيبة) حسب رأيه.
هذا كان بعضاً مما وصلنى من تعليقات القُرّاء الكرام على المقال وحقيقة سعدتُ أيّما سعادة بهذا الاطراء و وجهات النظر والدعم المعنوى الكبير الذى غمرونى به . بالطبع أتفق مع الجميع أن المقال السياسي عادة غير مُستساغ ولا يَحتملُ أن تُعمل عليه الفُرشاة والألوان كونه حقائق لا تقبل التجميل أو التغبيش لذا يبدو ثقيلاً نوعاً ما خاصة إذا لم يُوافق هوىً فكرى لدى المتلقى فيكونُ عسيرُ الهضم بعكس السرد الروائى ففى الغالب يلتفُ الناسُ حولهُ حسب دقة الوصف و سلاسة العبارة فمثلاً ثُلاثية نجيب محفوظ فى أجزائها الثلاثة لم تخرج عن حي (شُبرا) وأسرة أحمد عبد الجواد ولكنك لا تملك الفاك منها إلاّ أن تُكملها وكذلك كتابات الطيب صالح كان مسرحُها مسقط رأسه قرية (كرمكول) بديار الشايقية وأيضاً تُمسك بتلابيب القارئ حتي يُكملُها . صياغة الرواية ليست بالسهلة وقد تحتاج لسنوات وعصف ذهنى مُرهق لتحريك أشخاصها بحنّكة لذا غالباً ما تُكتب عندما يكون مزاج الكاتب (رايق) فجميع حلقات روايات نجيب محفوظ كتبها على طاولة المقهى فلم يجدُ كثيرُ عناء فى وصف الحركة اليومية من حوله . الطيب صالح لجأ فى كتاباته لإستحضار الذاكرة وإفراغ الذكريات لذا جاءت كتاباته كحديثه المنطُوق تماماً يحرك الاشخاص بين شفتيه كما يحركهم عبر السطور وهذا (برأيي) ما يجعل للرواية حظاً أوفر للانطلاق نحو العالمية والترجمة للُغاتٍ أخري لما تحمله للقارئ من مُتعة و سياحة عبر السُطُور و لاسيما إذا ما كان فيها حظٌ للمرأة والجنس فيكونُ إنتشارها أوسع غالباً و أظُن هذا ما ساعد روايات الطيب صالح ونجيب محفوظ للوصول الى العالمية .
أما المقال السياسي فيظلُ وُجهة نظر ورأي الكاتب وليس بالضرورة أن يُجانبهُ الصْوَاب فى كُل الاحوال ويظل محدُودَ التأثير فى أوساط المُشتغلين بالسياسة ولكن (برأيي) المقال السياسي مثل (قُفّة المُلاح) لا غنى للناس عن حملها ولو مُكرهين فالرأي فى الحدث السياسى أو تحليله لا يحتملُ التأخير كونهُ يسُوسُ حياة الناس اليومية ومُتغير بسرعة ويتناول أخفاقات أو إنجازات يجب تناولها اليوم قبل الغد علّها تجدُ من يقرأ ويُصَحّح من الساسة ومُتخذى القرار نعم قد يختلفُ الناسُ حول المقال السياسي أو يتفقُوا ولكن قطعاً هُو صوت يجب أن يُسمع ومن يكتب عمود يومى أو أسبوعى يُعانى اللهاث من تسارُع الاحداث وتغيُر الوقائع فكثيراً من المقالات و التحليلات ما أن يفرغ الكاتبُ منها إلاّ ويصُدرُ تصريحٌ هُنا وهُناك يجعلُها عديمةُ الفائدة ، بينما كاتبُ الرواية قد يحتاجُ لربما سنوات كما ذكرنا حتى تنضج الأحداث وبين هذا وذاك سنُسدّد ونُقارب وليعذرُنا من يُخالفا رأيُ سياسي فكُلُه خطأٌ يحتملُ الصَواب وصوابٌ يحتملُ الخطأ .
قبل ما أنسي :ــــ
أحد أقربائنا كُنّا ذهاباً معاً لدعوة غداء لمناسبة عُرس وقبل أن نَصلُ مكان الدعوة كان يشكو لى أنه يكره (سلطة الباذنجان) لأنها تسبب له حساسية ولذّعة فى اللّسان . فقلتُ له حسناً يا أخى أتركها وتناول غيرها فأجابني قائلاً ( هُم أصلاً جايبنها ليه؟) . لذا عزيزي القارئ إقرأ ما يُريحك وأترك (الباذنجان) فغيرُك قد تُسعدهُ السْلَطْة .
وأخيراً :ـــــ
التحية لكل من طوق عُنُقى بشرف القراءة والمُداخلة والتصويب والرأي والإقتراح وأهدانى عُيُوبى و من وقته الثمين وصبر على (رَكَاكْة) الحُرُوفِ ليقرأ لى فِكراً أو وُجهة نظر أبادلكُم الحُبُ بالحُبِ وكلُ عامٍ وأنتُم بخير .
The post المقال بين مزاج القارئ وسَلَطْة الباذنْجان.. بقلم العيكورة appeared first on السودان اليوم.