صابنها
محمد عبدالماجد
ذكري شهداء (28) رمضان في زمن (اللوكيشن)!!
• هناك أحداث في التاريخ رسخت وخلدت في الوجدان السوداني خلوداً ظاهراً – مثل تاريخ حصة اللغة العربية الأخيرة في نهاية العام الدراسي حيث تجد (التاريخ) عالقاً أعلى السبورّة، عندما تفتح المدارس ويبدأ العام الدراسي الجديد، فتتذكر ذلك (التاريخ) المكتوب على السبورّة بتفاصيل أستاذ اللغة العربية الذي كان يضع (الخطة الأخيرة) لطلابه للدخول لامتحان اللغة العربية.. نأتي بهذا المثال (المشترك) لتنشيط خلايا الذاكرة.
• الشعب السوداني لا يستطيع أن ينسى تأريخ استقلال السودان – في مطلع كل عام ميلادي تجد نفسك بصورة تلقائية تسمع محمد وردي وهو يغني (اليوم نرفع راية استقلالنا).
• وتجد عُزاز القوم وكبارهم يتحدثون في (فرح) لا يخفى عليك بجلاليب ناصعة البياض.
• نحن لا نستطيع أن ننسى 21 أكتوبر و6 أبريل – هذه تواريخ سجّلت على (القلوب) قبل أن تسجل على (الأجندة).
• قلوبنا لا يوجد فيها فرح أعرض من (على أجنحة الفجر ترفرف فوقك أعلامك).
• حقيقة أن الذي ترفرف الآن هي (قلوبنا).
• من ضمن الأحداث الخالدة والتي احتفظ الشعب السوداني بذكراها رغم التعمية عليها إعدام 28 ضباطاً غدراً بالرصاص في 28 رمضان الموافق 23 أبريل 1990م وفي جنح الليل كما يفعل (اللصوص).
• ظل الشعب السوداني وفيّاً لهذه المجموعة يحمل (حقها) ويكتم (وجعتها) طوال فترة حكومة الإنقاذ.
• من شدة إحساسي مع عامة الشعب بخصوصية هذه الذكرى باعتبار أن كل مواطن سوداني يعتبر نفسه جزءاً منها – أني تفقدت (ألبوم صور) الأسرة – صور أبي وأمي وإخوتي وأولادي ظناً أن أجد بينهم ضباط حركة 28 رمضان.
• تفقدت محفظتي الخاصة بحثاً عنهم.
• هذه شراكة لا تحدث إلّا لضباط 28 رمضان.
• إعلام الإنقاذ وقتها كان يُغنِّي ويبتهل لسقوط (همشكوريب) مثلما عاد بعد ذلك وتغنى بنفس الصورة لعودتها وفعل نفس الشيء في (هجليج).
• إعلام الإنقاذ كان يمتلك قدرات (هلامية) في هذا الجانب – إذا عادت مدينة احتفل لذلك وإذا سقطت فعل نفس الشيء.
• سيان عندهم الأمر.
• البشير عندما يستقر في الخرطوم ولا يغادرها يعتبرون ذلك (بطولة) منه وعدم اكتراث لعقوبة المحكمة الجنائية، وعدم تأثيرها على عمله كرئيس جمهورية، وإذا سافر وكسر القرار، اعتبروا كذلك الأمر (بطولة) لهم و(رجالة) وإن عاد من الخارج متسللاً وهو يهرول.
• إعلام الإنقاذ عندما تم تعيين صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن والمخابرات حسبوا ذلك (إنجازاً عظيماً) للسلطة.
• عندما تم إعفاء صلاح قوش من منصبه اعتبروه كذلك (إنجازاً عظيماً) للسلطة.
• الأغرب من ذلك أنه عندما أطلق سراحه وعاد من جديد لمنصبه، اعتبروه كذلك (إنجازاً عظيماً) للسلطة.
• من بعد ذلك حسبوا (الإنجاز العظيم) في خيانة صلاح قوش لحكومته التي يشغل فيها منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات عندما أشاروا لفتح صلاح قوش (مسارات) للمتظاهرين للدخول إلى محيط القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة.
• إنجاز عظيم!!
• لا أريد أن أمضي في ذلك – ونحن نكتب في ذكرى شهداء 28 رمضان، والذين فعل فيهم النظام أبشع (جرائمه)، عندما قتلهم في الشهر الفضيل وفي أيامه الأخيرة بصورة لا تحدث في أفلام (الأكشن) الأمريكية والتي تجعل المشاهد يضغط على (الريموت كنترول) من أجل تبديل القناة، وهو يعلم أن المشهد (القمعي) الذي يشاهده في الفيلم مجرد (تمثيل).
• ترن في أُذني عبارة علي عثمان محمد طه الذي كان النظام البائد يعتبره (مفكراً) له، وهو يقول في تسجيلات قناة العربية معاتباً (اللين) الذي بدا على تنظيمه: (نحن في يوم واحد قتلنا 28 ضابطاً).. مفتخراً بذلك ومُثبتاً لحقهم في الشجاعة وتمسكهم بالسلطة.
• هذا الكلام لم يحتمله أمين حسن عمر والذي كان جزءاً من (النظام) ومن تركيبته، فسالت دموعه وتغرغرت عيناه.. كيف يحتمله أسر شهداء 28 رمضان؟
• الذي يدور في ذهني – وحكومة الإنقاذ تفعل ذلك في الشهر الفضيل هو ذلك السؤال الكبير – هل كانت قيادات الحركة الإسلامية في ذلك الشهر تصوم رمضان؟ – أم أنهم كانوا (يفقعون) صيامهم في منتصف النهار من مطاعم شارع المطار الفاخرة بحجة السكري والتهابات الكلى!!
• ما جدوى الامتناع عن الأكل والشرب إن صاموا ذلك الشهر وهو يقتلون (28) ضابطاً بالرصاص الذي اخترق أجساد الضحايا على غرار ما يحدث في منصة التصويب في ميدان الرماية بحديقة القرشي.
• ما فائدة قيام ليلهم أن كانوا يفعلون ذلك بليل في ضباط حركة 28 رمضان.
• علي عثمان محمد طه – ونافع علي نافع وأمين حسن عمر هل أخرجوا في ذلك الشهر الذي قتلوا فيه 28 ضابطا (زكاة الفطر) أم أن قساوة قلبوهم لم تترك لهم مساحة لذلك؟
• زكاة الفطر في ذلك العام كانت لا تتجاوز الثلاثة جنيهات – لكنهم مع ذلك أخرجوا بدلاً عنها (أرواح) 28 ضابطاً.. قاتلوا في الثغور وعملوا تحت الرصاص من أجل أن يرفعوا اسم الوطن.
• لقد أخرجوها في ذلك الوقت (رصاص)!!.. وخرج في اليوم التالي (البشير) من تلفزيون السودان يقدم للشعب السوداني (تهاني) العيد وتبريكاته في بيان رسمي.
• في ذلك العام هل خرج عمر البشير مع الناس إلى صلاة العيد وهو (باسما) يردد (ما لدينا قد عملنا)؟.. هل لبس أطفال قيادات الحكومة حينها الجديد وأكلوا الحلوة والخبيز، بعد أن سالت تلك الدماء الطاهرة بغير ذنب في شهر كريم!!
• هل كان عندهم من (الوقاحة) ما يجعلهم يتبادلون تهاني العيد (كل سنة وانت طيب) و(عيد سعيد)؟.. دون أن تأخذهم (ضمائرهم) الميتة التي فقدوها في مرحلة مبكرة من حياتهم، ليدوسوا بعد ذلك على (الشعب) باسم الدين الذي لم يكن لهم منه غير (فضل الظهر) للتباهي بذلك والدعاية.
• المؤلم جداً أنهم بعد ذلك (القمع) الذي مارسوه (30) عاماً يسألون عن حسن المعاملة في السجون التي دخلوها بسبب فسادهم الكبير.
• المؤلم أنهم يسألون عن الراحة ويجتنبون الكورونا وهم الذين سكتوا على (قبور) شهداء 28 رمضان ولم يعلنوا عنها إلّا بعد أن سقط نظامهم بعد (30) عاماً.
• مجرد الإعلان عن (القبور) وتسليم (رفات) الشهداء رفضوه – ويبحثون الآن عن مشاهدة الدوري الإنجليزي (البرماليغ) عند عودة النشاط في سجن كوبر (الفخيم)!!
• المتحدث باسم الجيش، العميد عامر محمد الحسن، في مؤتمر صحفي، الاثنين الماضي، قال إن اللجنة توصلت إلى مكان المقبرة، وهي تقع بالقرب من جبل سنكاب بمحلية كرري، داخل معسكر تابع لجهاز الأمن.
• من أين لهم بكل هذه (القسوة)؟
• من فعل هذه (الجريمة) كان يرفع شعارات الإسلام وكان يقول (هي لله.. هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه).
• كانوا يقولون (ما لدنيا قد عملنا).. (خلوها مستورة).
• كانوا يصومون الاثنين والخميس.. ويدعون الشباب إلى الجهاد – الجهاد الذي كان نصيب قياداتهم منه (مؤتمرات) قاعة الصداقة (الفاخرة) والتي كانت عبارة عن (مرج) و(فراخ مشوي)!!
• هؤلاء الناس بخلوا على شهداء 28 رمضان بعد قتلهم بقبور يعرفها أهاليهم، ويقفون فوقها للدعاء لهم يسألون فيها المولى عز وجل الرحمة والمغفرة.
• بخلوا عليهم (بشبر) في الخرطوم وذهبوا بهم (سراً) إلى مناطق مجهولة بالقرب من جبل (سنكاب) بمحلية كرري، داخل معسكر تابع لجهاز الأمن.. في الوقت الذي كانوا يستقبلون فيه أسامة بن لادن ويفاوضون فيه كارولس في فنادق الخرطوم.
• بخلوا على شهداء 28 رمضان بالقبور في الوقت الذي يملك فيه علي كرتي وزير خارجيتهم السابق ومنسق دفاعهم الأسبق (99) قطعة أرض.
• هند التقانة (133) قطعة أرض.
• لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واستراداد الأموال أعلنت عن استرداد 79 عقاراً من رموز النظام البائد، المساحة الكلية لها 35 مليوناً و411 ألفاً و114 متراً مربعاً.
• استردت اللجنة ست قطع أراضٍ من عبد الباسط حمزة، بلغت مساحاتها مليونين و883 ألف متر مربع. واستردت اللجنة خمس قطع أراضٍ من شركة طريق دنقلا أرقين التي يمتلكها عبد الباسط حمزة بلغت مساحاتها 14 مليون متر مربع.
• مساحات الأراضي التي استردت من عبد الباسط حمزة يبلغ مجموعها ١٨١٢٠٧ متر مربع بالعاصمة. و١٤ مليون متر مربع بالأقاليم وأكثر من مليون فدان زراعي.
• استردت (9) قطع أراضٍ من عبد الرحيم محمد حسين.
• استرداد نحو 20 قطعة أرض من صهر الرئيس الأسبق عمر البشير- نور الدائم إبراهيم محمد عبد الله.
• هذه مجرد نماذج.
• وشهداء 28 رمضان يدفنون في سفح جبل (سنكاب) بمحلية كرري دون الإعلان عن المكان!!
• الغباء الذي فعلوا به ذلك أكبر من (الظلم والقمع) الذي بدا واضحاً في العملية – هؤلاء الناس لو كانوا يملكون (ذرة) من الدين، لأدركوا أن الأمر لن يمر مرار الكرام وأن عاقبته في (الدنيا) قبل (الآخرة) سوف تكون وخيمة.
• من فعلوا ذلك واضح أنهم لا يخشون (عقاب) المولى عز وجل وهم يقعون في ذلك في شهر رمضان المبارك – لماذا الآن يشكون من (بعوض) سجن كوبر؟
• لماذا يعلوا الآن صراخ أسرهم في وقفاتهم الاحتجاجية – هل أسر شهداء 28 رمضان كانت بلا (قلوب)؟
• هل أطفالهم كانوا من (الباق) و(الفلين)؟
• عدل الله سبحانه وتعالى جعل (إنصاف) شهداء 28 رمضان يأتي في ذكرى رحيلهم – يحدث ذلك بعد (30) عاماً من تاريخ إعدامهم الذي كان في 23 أبريل 1990م.
• حكمته عز وجل جعل القوات المسلحة تصدر قراراً بترقية الضباط إلى رتبتين وآخرين إلى ثلاث رتب أعلى، مع منحهم معاشات منذ العام 1990، وتخصيص (قطع أرض) وسيارة لكل أسرة من أسرهم.
• قطع الأراضي الآن تذهب للشهداء – لمن يستحقونها ولا تذهب لعلي كرتي وهند التقانة وعطا المنان وعبدالباسط ونور الدائم.
• هذا عدل الله لا عدل البشر – أن تتم (ترقية) ضباط شهداء 28 رمضان بعد أن أصبحوا (رفات)، حيث أعلن عن مكان دفنهم قرب جبل (سنكاب) في عصر اللوكيشن (location).
• في الوقت الذي مات فيه الشريف أحمد بدر بفايروس كورونا (رحمة الله عليه) وأعلنوا فيه عن إصابة أحمد هارون بكورونا (شفاه الله) وظهور الأعراض على وزير الدفاع السابق (الدفاع بالنظر) عبد الرحيم محمد حسين؛ في هذا التوقيت أعلن في بيان رسمي للجيش عن ترقية شهداء 28 رمضان الذين كانت (القبور) التي دفنوا فيها عند النظام البائد (ملفاً سرياً) في يد جهاز الأمن والمخابرات – وكان مجرد السؤال عن (لوكيشن) قبورهم عند النظام السابق يعتبر (تقويضاً للنظام) ويعرض السائل للمحاكمة بمواد تصل عقوبتها للإعدام.
• اللوكيشن كان مشكلة!! في الزمن الذي أصبح فيه (جوجل) يحدد موقعك وملبسك وأكلتك ونوع (العطر) الذي تستعمله في المناسبات.
• (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).. اللهم ارحم شهداء 28 رمضان، وارفع مقامهم في عليِّين.. اللهم ارحم (موتانا)، وموتى المسلمين جميعاً ونحن في شهر تُفتح فيه أبواب السماء وتسمع فيه ملائكتك دعاء عبادك.
• اللهم ارحم الذين غادروا الحياة الدنيا (دار الفناء) إلى (دار البقاء) في هذا الشهر الفضيل – ارحم اللهم عبدك عبد الفتاح البشير الفحل الذي جاء إليك وهو يحمل (كرتونة) ملابس عيد أطفاله وأبناء أخيه في طريق عودته من نيالا إلى شندي.
• اللهم نسألك أن تكون (ترقية) شهداء 28 رمضان من عندك ترفعهم جلالة عزتك لأعلى الدرجات وتجعلهم في منزلة الشهداء والصديقين.
• ولا حول ولا قوة إلّا بك.
• ………..
• ترس أخير
• هذا كان يحدث في شهر رمضان المبارك من شيوخ الحركة ومن مفكري الحزب وقياداته العليا (قتلنا 28 ضابطاً في يوم واحد) – ماذا يحدث من (كتائب الظل)؟!
• غداً إن شاء الله نكتب عن مجزرة الاعتصام.
ريمونتاد الرياضية
المصدر: ذكري شهداء (28) رمضان في زمن (اللوكيشن)!! بموقع صحيفة كورة سودانية الإلكترونية.