الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
كان العاملون في الدولة من موظفين وعمال وكذلك العاملون في القطاع الخاص يعتبرون فئة متميزة في المجتمع وأوضاعهم المادية مستقرة وحياتهم رغدة والمرتبات كانت تكفي الموظف والعامل إن كان عازباً أو متزوجاً ويمكن لموظف حديث التخرج وفي بداية السلم الوظيفي أن يبني منزلاً خلال عامين أو ثلاثة علي الأكثر ويؤسس أسرة وحتي أواخر سبعينيات القرن الماضي كان التنافس علي أشده لشغل خانة خفير مسائي في مدرسة بنات أو خانة فراش في مدرسة أو طباخ وسفرجي في مدرسة ذات داخلية أما خانة فراش في نقطة غيار أو شفخانة فلا يظفر بها إلا ذو حظ عظيم لأنها تتيح له الترقي ليصبح ممرضاً بعد اجتيازه لفترة التمرين . وكان للجنيه السوداني قوته الشرائية ويساوي في ذلك الوقت ثلاثة دولارات وثلث وقيمة الدولار الآن في السوق الأسود مائة وثلاثين جنيهاً او فوقها ويؤكد كثير من العاملين أن (الطرادة ) وهي ربع جنيه أي خمسة وعشرون قرشاً كانت تكفيهم وتزيد لشراء الضروريات اليومية من لحم وخبز وخضروات وغيرها . وكانت الدولة تقوم بواجباتها تجاه المواطنين في التعليم والصحة وكانت المدرسة تقدم للتلاميذ الكتب والكراسات مجاناً وتقدم لهم حتي السنة والبنة والحبر وفي المدارس ذات الداخليات كان يوفر لهم المسكن والمأكل والمشرب ويقدم لهم حتي صابون الغسيل. ومجانية التعليم كانت تشمل مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي وكانت المرتبات تكفي المعلمين ولذلك كانوا يعملون بنشاط وهمة وفي الثلاثين عاماً المنصرمة أصبحت مرتباتهم لا تكفيهم بالكاد لمدة اسبوع ولذلك هجر الكثيرون منهم هذه المهنة العظيمة واغتربوا أو وجدوا مهناً بديلة ولذلك فإن مدارس الأساس للبنين أو للبنات أو المختلطة في كل أنحاء القطر تكون نسبة المعلمات الفضليات العاملات فيها حوالي ثمانين في المائة أو أكثر ونسبة المعلمين حوالي عشرين في المائة أو أقل وقلت إن لم تكن قد انتهت المناشط الرياضية والمذاكرة المسائية في المدارس التي كانت فرضاً وواجباً وحلت محلها الدروس الخاصة للمستطيعين الذين اتجهوا لتعليم ابنائهم في المدارس الخاصة باهظة التكاليف وخلاصة القول إن التعليم أصبح مكلفاً وان مرتب عامل يعمل في الولايات لا يمكن أن يفي إلا بصعوبة قيمة الرسوم الدراسية وتكاليف إعاشة إبنته الجامعية التي تدرس بالعاصمة أما الإبن فقد يحتمل المعاناة ويعمل في نهاية الإسبوع وعلي ذلك قس . والبنود المتعلقة بالتعليم والصحة في الميزانية العامة تحتاج لإعادة نظر . وعندما كانت الخدمة المدنية راسخة وفي قمة انضباطها من الوكيل حتي الخفير لأن اوضاعهم المالية مستقرة اعتمد عليها الحكم العسكري النوفمبري اعتماداً كاملاً في تسيير دولاب الدولة ويمكن القول بأن ذلك العهد أدار السودان أكثر من القول بأنه حكمه ولكن بكل أسف ترنحت الخدمة المدنية وأخذت تضعف بالتدريج حتي انحدرت للحضيض رغم أنها تضم أصحاب خبرات ومؤهلات رفيعة وسبب انهيارها أن المرتبات لا تكفي حتي للايفاء بالضروريات وعلي سبيل المثال فان مرتب خريج جامعي عمل بالخدمة المدنية معلماً أو موظفاً وتدرج وظيفياً حتي بلغ الدرجة الأولي فإن راتبه قبل كادر ود البدوي الأخير كان يبلغ بالكاد ثلاثة آلاف جنيه وينسحب هذا علي موظف مثله خريج ثانوي وعمل خمسة وأربعين عاماً وترقي للدرجة الاولي فإن راتبه أيضاً يبلغ بالكاد ثلاثة آلاف جنيه أي مائة جنيه في اليوم وهي لا تكفيه في وجبة افطاره ومواصلاته من وإلي مكان عمله وإذا كان هذا هو حال من بلغوا الدرجات العليا فما بالك بمن هم في الدرجات الوسيطة أو الأقل ( والله كفيل بعباده المساكين ) ولكن كان يوجد ( خيار وفقوس ) وسيست الخدمة المدنية مع تقديم أهل الولاء علي أهل الكفاءة وتعيين عدد لا يستهان بهم بعقودات خاصة ومرتبات وامتيازات كثيرة والمؤسف أن الخدمة المدنية أصيبت بداء وبيل بوجود عدد من العاملين بها لهم مهام أخري بالعمل بصاصين ومصادر أمنية يكتبون التقارير ويصنفون الولاءات السياسية لزملائهم وتلك سقطة كبري .
ولقد بلغت الازمات قمتها وكانت سبباً في تفجير الغضب الكامن وثورة التغيير التي أطاحت بالنظام السابق ولكن المؤسف ان الأوضاع الآن أضحت أسوأ وأردأ وبلغت الفوضي في الأسواق والأسعار ذروتها القصوي مع غياب تام للحكومة التي اهملت واجباتها وتركت الحبل علي القارب وبعد أشهر من تكوين الحكومة صرح دكتور حمدوك رئيس الوزراء عندما التقي بعدد من المغتربين السودانيين بالمملكة العربية السعودية أن قحت ( حاضنة الحكومة وولية أمرها ) لم تسلمهم برنامجاً اقتصاديا وبعد عودته حاولوا ( من جاي لي جاي أن يُلتِقوا له من الشعارات المطروحة برنامجاً أو بالأحري خطوط عريضة ) ولكن يبدو جلياً وبوضوح ان دكتور ابراهيم البدوي وزير المالية والاقتصاد الوطني لا يعترف بهم كحاضنة اقتصادية توجه وزارته. ومن جانب آخر فان قيادة حزب الأمة تلميحاً وتصريحاً ظلت تعلن أنه لا يمثل الحزب في الحكومة ولم يرشحه الحزب لهذا الموقع وله انتماء للحزب كسائر الأعضاء الآخرين المنتمين إليه وليس له موقع قيادي في أي موقع من المستويات.
وشهد السودان قبل ذلك كادر الشريف حسين الهندي في عام 1968م وزيدت المرتبات بنسبة خمسة وعشرين في المائة وفي عام 1978م أقر ما أوصت به لجنة حيدر كبسون ونفذ الكادر وزيدت المرتبات وفي ذات عام 1978م ولأول مرة أعلن وزير المالية سعرين للدولار هما السعر الرسمي وآخر هو السعر في السوق الموازي ( السوق الأسود) وتم التصديق للصرافات لتعمل وحدث ما حدث بعد ذلك وما ترتب عليه من آثار . أما الزيادات الجديدة فإن ود البدوي قد (فات الكبار والقدرو) ومرة واحدة زاد المرتبات بنسبة تزيد علي الخمسمائة وخمسين في المائة وصرف الكثيرون رواتبهم بهذه الزيادات وبهذا أصبحت الزيادات واقعاً لا يمكن النكوص عنه وحتي إذا استقال وزير المالية أو أُقل فإن كادره سيصبح كمسمار جحا لا يمكن اقتلاعه .. وأطل سؤال عن كيفية تمويل الفصل الأول وهل تكون بطباعة النقود رب رب رب رب ويتبع ذلك انهيار تام أم أن حمار الشيخ سيقف في العقبة وتعجز وزارة المالية عن الإيفاء بالتزاماتها ويحدث اضراب عام مفتوح ولكن السيد وزير المالية أعلن أن أموال ميزانية التمكين التي كانت تصرف في العهد السابق ستفي بكل سهولة بكل الالتزامات وهنا يطل سؤال يحتاج لاجابة ويقتضي ان يقوم نفر من الخبراء المحايدين النزيهين الذين لا يعرفون الهرجلة والإثارة الرخيصة باعداد تقرير مفصل ونشر المعلومات والحقائق للشعب السوداني عن تلك الميزانية .
ولا أحد يستكثر الزيادة علي الموظفين والعمال وكافة العاملين وهم يستحقون أكثر وينطبق عليهم ما كتبه دكتور طه حسين (المعذبون في الأرض) وينطبق عليهم أيضاً ما كتبه فيكتور هوجو (البؤساء) وما أعلنه وزير المالية يحتاج لوقفات ولا نريد الخوض في تفاصيل انعكاس هذه الزيادات علي السوق ما لم توضع ضوابط صارمة ونقول لوزير المالية شمر عن ساعديك لان الشعب كله يعاني ولا بد الأخذ بيديه وينطبق عليه قول الشاعر محمد المكي ابراهيم في قصيدته قطار الغرب :-
من أسكلة الخرطوم إلي الجبلين إلي الرجاف
قاسيتم، وأنا يا أشياخي قاسيت
كل السودان يقاسي يا شعراء الشعب
فدعوني اسمعكم شجوى
ويا وزير المالية والاقتصاد الوطني كل الشعب الآن يقاسي ويعاني كما ذكر ود المكي ويحتاج الوضع لمعالجات كلية وليست تبعيضية وجزئية .
The post السودان: صديق البادي يكتب: زيادة المرتبات ومفاجآت ود البدوي appeared first on الانتباهة أون لاين.