مقالات

منى أبوزيد تكتب : في كِتاب السِّعة..!

15 يناير 2023
“أنا لا أعرف الحقيقة المُجرّدة لكنِّي أركع متواضعاً أمام جهلي، وفي هذا فخري وأجري”.. جبران خليل جبران..!
(1)
جيِّد جداً أن المواطن السوداني قد تحرّر من الاكتفاء بكونه مستقبلاً للخبر الصحفي وبات صانعاً له وقائداً لحملات منظمة تستهدف الرأي العام بشأنه. ولكن غير الجيد أو المؤسف حقاً هو أن هذا الانفتاح على صناعة الخبر – والذي مَهَّد الطريق لقياس معدلات الرأي العام بشأنه – قد كشف الغطاء عن بعض عيوب وأخطاء طرائق تفكير العقل الجمعي في السودان، التي اتضح أن أولها وأولاها “إقحام السياسة في كل شأن عام أو خاص، وتسييس المواقف وردود الفعل حتى وإن كان الأمر حاجةً إنسانية أو سقطةً أخلاقية”. لماذا لا يجتهد الناس في تطوير الوعي واجتراح الحلول عِوَضَاً عن الهروع إلى التصنيف السياسي؟. سُعار السياسة يُمزِّق بمخالبه وَعي المجتمعات، ويَغرس أنيابَه في عقلها الحي..!
(2)
إن فهم أسباب العنصرية التي يفرضها الوضع القبلي في السودان يحتاج إلى ذهنية خاصة جداً، وإن قراءة كتاب العنصرية في هذا الوطن الخلاسي المترامي تستلزم إلماماً دقيقاً بطبيعة وذهنية الانتماءات العرقية المُعقّدة التي تسكنه وتتعايش فيه تعايشاً تحكمه أعراف وعادات وتقاليد يصعب التملص من سطوتها. كما وأنه لا يكفي لتحقيق العدالة في سلوكنا الاجتماعي أن نلبس ثوب العولمة الثقافية فوق جسد مليء بندوب العنصرية وأوهام الأفضلية، والنظرة القاصرة أحادية الجانب، وألوان المعاملة التي تحكمها شيطنة الصورة وأبلسة الآخر. على العروبة الثقافية الممتدة في هذا البلد أن تعترف بذواتها المتعددة، وأن تتصالح مع ذلك الجزء الأسود من ذاتها. وعلى الحكومة القادمة أن تتبنّى مشروعاً قومياً لمحاربة هُراء التمييز القبلي وأوهَام النقاء العرقي..!
(3)
لا بد من رفع شعار الاحتكام إلى السعة في وجه الكثير من المسلّمات الخاطئة التي تحتاج إلى ثورة فقهية لتحرير الخطاب السياسي في بلادنا من سطوة الاستعلاء الديني والتبرير والمكابرة، بالحذف والإضافة والتغيير في مواضع التخصيص والتعميم. التاريخ المعاصر كان ولا يزال مليئاً بالكوارث السياسية التي صودرت فيها الحرية وانتهكت العدالة باسم الدين. ببساطة كلنا مسلمون، وأهل الاعتدال في إسلامنا لهم عبارة مؤثرة تقول “لا يؤمن بربوبية القوة إلا شبح الضعف”. بعض الرؤى السياسية الحديثة أبسط بكثير ممّا يُثار حولها من ضجيج، هي ليست معادلات رياضية، بل مفاهيم اجتماعية تعول في نهوضها على خصوصية كل شعب، وتحافظ على مسافات مقدرة متساوية مع جميع الأفكار، ومسافات أخرى مُناسبة بين سياسات الدول ومعتقدات الحكام، لكنها لا تنادي – أبداً – بفصل الدين عن الحياة..!

munaabuzaid2@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى