6 يناير 2023
muzamil.alim29@gmail.com
في هذه الأيام السوداء التي نعيشها أصبحنا نتحسر بصورة يومية على ماضينا.. على طفولتنا.. على كل ما هو مرتبط بالماضي فالكثيرون منا حاليا مصابون بما يعرف سايكولوجيا بــ(بالنوستالجيا) أي الحنين المفرط للماضي لأننا في بلد يتدحرج إلى الأسفل بسرعة الصاروخ ومنذ الاستقلال نحن في هذا التدني المريع.. نترحم على أيام الفن والرياضة والاقتصاد لأننا حاليا نعيش في أسوأ أوضاعنا على الإطلاق.
أنظروا حولكم فقط إلى كمية الاسفاف والتفاهة المتواجدة في الشارع العام إضافة إلى (السوشيال ميديا) بذاءة لفظية وعري ورقص خليع من فتيات سودانيات!!.
والطامة الكبرى كل من تمارس هذه الأشياء يتم وصفها بنجمة سوشيال ميديا!!
ولا ننسى طبعا إنتشار المخدرات بكل أنواعها ولا ندري كيف تدخل كل هذه الكميات إلى السودان في وجود قوات شرطة وجمارك وحرس حدود و…. الخ .
إنهيار القيم المجتمعية هو أول إشارة لبداية السقوط العام للدولة ككل.. وكثرة الجبايات مظهر من مظاهر بداية النهاية لأن الدولة أقعدت حرفيا وأصبح لا مدخل لديها للصرف سوي (جيب المواطن) .
نحن أمام انهيار شامل.. رسوم التعليم أصبحت متاحة للميسورين فقط وفساد تعليمي في القطاعين العام والخاص لأن مؤسسات الدولة أصبحت بلا حسيب أو رقيب .. أما الصحة فالحديث عنها مكرر فمن يتملك القدرة يذهب للعلاج في دولة مصر وكفى.. والبقية يموتون بالأخطاء الطبية أو حتى عدم القدرة على طرق أبواب مستشفياتنا الفاشلة أصلا في توفير بيئة طبية ملائمة للمرضى .
رفع الجبايات والرسوم في مختلف متطلبات حياة المواطن يعني دق آخر مسمار في نعش الدولة السودانية عاجلا أم أجلا.. إذا أصبحت الأموال متواجدة عند سفهاء القوم و(أجهلهم) فهذا يعني بأي حال خلل كبير في دورة المال الطبيعية في البلد. عندما يمتلك ما يعرفن بــ(القونات) والكثير من سفهاء السوشيال ميديا أموالا مليارية نظير ما يقدمونه من خواء فكري للمتلقي هنا بصراحة لا القي باللوم على هؤلاء (الرويبضاء) لكن القي باللوم أسفا على المجتمع الذي أصبح يصفق ويعجب بمثل هذه الظواهر المقيتة في مجتمعنا .
كيف نحارب زيادة الرسوم الحكومية وغلاء الأسعار!! وكيف نحارب إنتشار (الآيس) وسط الشباب والشابات.. كيف نحارب فساد التوظيف بــ(الواسطات والتزكيات).. لماذا لا نجاوب على هذه الاستفهامات ونصرخ فقط عند سماع زيادات رسوم استخراج الجواز والعديد من المعاملات الحكومية الأخرى.. ما ذكر أعلاه كان البداية وتضاعف رسوم الخدمات وكثرة الجبايات الحالية والقادمة بسبب اننا لن نجاوب على تلك الأسئلة مبكرا .
استعدوا جيدا فالقادم أسوأ ولا يوجد شيء يدعوا للتفاؤل إطلاقا.. أنتم في دولة يسودها التجار أو السماسرة سميهم ما شئت !! بالإضافة إلى عاملون وموظفون يطالبون بزيادة رواتبهم وهم لا يقدمون أدنى خدمة في مؤسساتهم سوى التسكع في فترة الدوام وانتظار الحوافز والمرتب آخر الشهر.. والغالبية العظمى منهم وظفوا بالتزكية .
كنت اتمنى بعد ثورة ديسمبر أن يعاد هيكلة الوظائف لأن نظام التوظيف في عهد الحكومة البائدة كانت تفوح منه كل روائح الفساد.. لا يوجد شخص تم توظيفه في عهد حكومة الإنقاذ دون شبهة وساطة أو فساد.. إلا ما ندر وفي الوظائف غير المرغوبة بكل تأكيد .
نعود لموضوعنا الأساسي.. على القائمين على أمر الدولة مراجعة هذه الزيادات غير المقبولة إطلاقا في ظل هذه الظروف التي يكابدها المواطن السوداني لا زيادة مرتبات أو دعومات مؤقتة ستكبح جماح هذه الزيادات التي سوف تطال وتدمر الجميع.
نعرف أن الدولة لا تملك أي مصدر دخل في ظل الأوضاع الآنية ولكن أن يصبح مصدر دخلها هو (جيب المواطن) لهو الإخفاق بحد ذاته .
حل كل هذه المشاكل لخصه لنا المفكر المصري الراحل دكتور مصطفى محمود في عدة كلمات عندما قال: “بلادنا ليست فقيرة في الشباب، ولا هي شحيحة بالرجال، ولا هي بخيلة بالمواهب!! ومشكلتنا هي في كلمةٍ واحدة “الإدارة.”
وإختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ….. إنتهى .
للأسف الشديد كلنا نعرف وندرك جيدا هذا الحل ولكن دائما صوت الفساد داخلنا هو الأقوى والمسيطر على أفعالنا وتصرفاتنا ما لم نلفظ ونترك الأنانية وحب الذات لن نفلح أبدا سواء كنا شعوبا أو حكومات.
انت تقول:(نعرف أن الدولة لا تملك أي مصدر دخل في ظل الأوضاع الآنية)!! ياهذا…الا تملك الدولة الذهب والصمغ والماشية والحبوب الزيتية والعلف؟ اليست هذه مصادر دخل وليس مصدراً واحداً للدولة ؟ كان من الامانة ان تقول ان مصادر الدولة تذهب لحسابات اشخاص من المتنفذين في هذا البلد المغلوب على امره…الله يعلم ان السودان من اغنى دول العالم بثرواته المتعددة والمتفردة التي حباه الله بها، ولكن المشكلة في من يتولى ادارته من المواطنين..
اللهم اصلح حال الراعي والرعية.