عشرة آلاف جواز جديد تصدر كل يوم ، أفواج المغادرين تزدحم في كل المنافذ الجوية والبرية.. أحياء كاملة في مُدن مصر وتركيا والإمارات أصبحت سودانية.. والذين بقوا بالداخل هم فئتان،الأولى: ينتظرون ومابدلوا تبديلاً، يبحثون تكملة إجراءات خروجهم من السودان، والثانية هم الذين حاولوا الخروج لكنهم لم يجدوا تأشيرة دخول أو تكلفة سماسرة الهجرة غير المشروعة عبر قوارب الموت بالبحر الأبيض المتوسط.
الأنكد في الأمر، أن الغالبية الكاسحة من المغادرين السودانيين هم من الشباب ومن الجنسين.. لو كانوا يغادرون بصورة مدروسة ولقناعة كاملة بالوظائف التي
وجدوها وراء الحدود لكانت هجرتهم أبرك لهم ولوطنهم، لكنها قفزة في الظلام، خروج من الوطن بلا حسابات محددة.. فالواقع داخل الوطن لم يمنحهم فرصة المفاضلة أو المقارنة أو البحث عن أفضل الخيارات.
ولا أحد يلوم هؤلاء الشباب، فالبقاء في الوطن لم يعد مجرد تعطيل لقدراتهم بل إهانة لكرامتهم.. والله أقولها بكل صراحة وأقصد الكلمة بكل ما تحمل من معنى، البقاء في الوطن أصبح إهانة لكرامة كل شاب وشابة.
وفي ظلام الواقع الراهن انتشرت المخدرات بسرعة وفي فضاء عريض تتوفر فيه البيئة الخصبة، فطوفان العطالة يجلب معه الإحباط والتعاسة التي تدفع الشباب للبحث عن مخارج متوهمة، الجري نحو السراب والذي يقود للنهايات المحزنة لهم ولأسرهم ..
هذا الواقع الأليم الذي ينخر في الأسرة السودانية ويحول شبابها اليانع إلى رماد و أطلال أحلام، لن يتغير إلا بتغير الدولة السودانية كلها وليس الحكومة وحدها.. نحن في حاجة لفهم المعنى العميق للثورة حتى لا تختزل في كراسي وأحزاب و محاصصات.. المعنى العميق للثورة يعني التغيير بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. تغير مفاهيم الوطن وإدارته وعلاقته بالمواطن.
عبارة “المواطنة” التي تزدهي بها أدبيات الأحزاب السياسية، كلمة فارغة المضمون إلا من الشعارات السياسية التي تحولها الى مطلب لا يستطيع أحد قياسه حتى ولو أعلنت الحكومة الالتزام به، فما معنى المواطنة؟
المواطنة الحقيقية تعني حزمة الحقوق والواجبات للمواطن وعليه. ومن أول هذه الحقوق أن توفر له الحكومة الكرائم الأربعة:
الأولى: البيت الكريم.
الثانية: الأسرة الكريمة .
الثالثة: العمل الكريم.
الرابعة: وسيلة النقل الكريمة.
بدون هذه الأربعة لا معنى لثورة ولا لدولة ولا لحكومة .. فما المعنى الحقيقي لهذه الكرائم الأربعة؟ وكيف تتحقق؟
البيت الكريم.. هو بيت تتوفر في الكهرباء والماء النظيف و الصرف الصحي والصرف السطحي. وأن يكتمل بخدمات تتوفر في الحي كل الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها المواطن.
أما الأسرة الكريمة.. فهي القدرة على الزواج وتأسيس أسرة، مع توفر الرعاية الصحية والتعليم والترفيه للأسرة.
أما العمل الكريم.. فهو العمل الذي يوفر كل المصروفات الضرورية مع مصروفات الترفيه في عطلة نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية والقدرة على السفر داخل أو خارج الوطن لقضاء العطلة السنوية.
أما وسيلة النقل الكريمة، فلا يشترط أن تكون سيارة خاصة بل أن تتوفر وسائط النقل العام من بصات ومترو وقطارات وطائرات للحركة داخل المدن وخارجها بصورة لا تضيع وقت المواطن ولا تستنزف جيبه.
كيف تتحقق؟ سأشرح لكم..