مقالات

عادل الباز يكتب: خالد وفريد.. الأفق المسدود (2-2)

1
لم يترك الأستاذ أمجد فريد فرضاً ناقصاً، فلأجل دعوته حشد كل الأسباب التي يمكن أن تدفع المجتمع الدولي إلى التدخل بأعجل ما تيسر لاستنقاذ التحول الديمقراطي والسودان ومِن ورائه الإقليم والعالم من الوقوع مجدداً في براثن الدكتاتورية!
2
وضع السيد فريد بين يدي المجتمع الدولي كل الكوارث التي يمكن أن تحدث إذا سمح بإجهاض مسيرة الانتقال في السودان، وذلك بعد أن رسم صورة قاتمة للأوضاع السياسية والأمنية في الدول التي تحيط به.. ماذا يمكن أن يحدث؟
بدأ السيد فريد بالبعبع الذي يخيف الغرب، بدأ بروسيا مشيراً إلى قواعدها العسكرية الناشئة في البحر الأحمر وفي الجوار الأفريقي، منوهاً الى الدور الذي تلعبه شركة فاغنر الروسية في السودان والإقليم، وبنشاطها في التعدين، وعملها في مجال غسيل الأموال وكل الموبقات الأخرى!!
يا لها من أسباب قوية يغفل عنها المجتمع الدولي!!
يحذر أمجد فريد الغرب من التداعيات الخطرة التي يجرها فشل الانتقال في السودان، مؤكداً أن العالم والإقليم سيواجهان الحركات الراديكالية المتطرفة والإرهاب والنزوح والهجرات.
3
لكل الأسباب أعلاه مجتمعة بحسب فريد على المجتمع الدولي أن يهب لإنقاذ الانتقال في السودان من أجل المضي قدماً في المسار الديمقراطي، هي أسباب قوية من شأنها أن تجعل الغرب متوتراً وخائفاً ومندفعاً لدعم الانتقال في السودان.
4
آذان المجتمع الدولي تصغي كما يبدو، وأن السيد فولكر اقتنع بمنطق أمجد فريد، إذ سارع بإطلاق أفكار مبهمة حول عملية سياسية شاملة لتأمين المسار الديمقراطي، تستوعب كل الفاعلين في الساحة السياسية.
حسناً فولكر شكراً للمبادرة، ومبروك أمجد ها هو المجتمع الدولي على جناح السرعة يلبي النداء.. ثم ماذا بعد؟
5
قبل أن نرى ما يمكن للمجتمع الدولي أن يقدمه بتدخله في الأزمة السياسية الحالية؛ نسأل: لماذا سارع السيد فريد بالقفز فوراً لمضارب المجتمع الدولي مستنجداً بها؟
يبدو أنه لا يعول على أي مبادرات داخلية بإمكانها حل المعضلة الحالية، هو يائس من عبقرية الشعب السوداني التي يتغنى بها، يفعل ذلك دون أن يمنح أي مبادرة داخلية فرصة للنجاح.. مثلاً حزب الأمة طرح مبادرة وخارطة طريق للخروج من النفق، ورغم تحفظي على كثير مما جاء فيها، ولكنها في النهاية جهد وطني، يدعو فيه حزب وطني للحوار بين أبناء الوطن تحت سقف الوطن، ألم يكن بوسع السيد أمجد وإبراهيم الشيخ وكل من يبحثون عن قوى خارجية لإنتاج حلول لصراع سياسي سوداني الانتظار حتى يستفرغوا الجهد اللازم لحل المعضلة داخلياً، ومن ثم يهرعون للمحاضن الأجنبية؟
لِمَ العجلة؟ وهي أصلاً ماشة وين.. هذا هو شغلها التي تعتاش وتتكسب منه.. الأزمات في العالم أكثر ما يسعد المنظمات الدولية وموظفيها.
من جهة أخرى يحاول السيد أمجد إقحام المجتمع الدولي بغرض الحصول على ضمانات دولية من جهات مقتدرة على فرض وإلزام كل الجهات بنتائج أي حوار.. حسناً الفكرة جيدة، ولكن يبدو أن السيد أمجد بحاجة إلى مراجعة ما جرى في نيفاشا التي توفرت لها كل الضمانات الدولية، بما لم يتوافر لأي اتفاقية أخرى.. فماذا جرى فيها؟
ماذا فعل المجتمع الدولي عندما لم تلتزم الأطراف الموقعة عليها.؟ لا شيء، إذ أغلب بنود الترتيبات الأمنية معلقة وظلت الفرقة العاشرة بكامل عتادها متربصة في زوايا الوطن، حتى أنتجت تمرداً جديداً في جبال النوبة.
سؤال: يا ترى ما الثمار التي جرى حصدها من تدخلات مماثلة في اليمن وسوريا وليبيا وإثيوبيا؟ بل إن تدخلات المجتمع الدولي أنجبت حروباً ولم تصنع سلاماً مستداماً.. اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ أنتجت تمرد قرنق، اتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥ أنتجت تمرد الحركة الشعبية شمال في جبال النوبة والنيل الأزرق، كل اتفاقيات دارفور استدامت الحرب ولم تطفئ نارها.
هذه هي نتيجة التدخلات الأجنبية في سلام الجنوب، وحرب دارفور وجبال النوبة وغيرها!
هل هي نتائج مرضية تدعونا إلى الهرولة وضرب الكواريك للاستنجاد بالمجتمع الدولي الذي هو نفسه منقسم وعاجز عن التوافق حول بيان عن الأزمة السودانية في مجلس الأمن، بل إن أمريكا قائدة المدنية والديمقراطية نفسها منقسمة حول تقييم الوضع وكيفية التعامل مع السودان (المبعوث المستقيل فيلتمان ضد العسكر ونائبة وزير الخارجية السيدة مولي متعسكرة للآخر).
عن أي مجتمع دولي يتحدث السيد أمجد؟
المنظمات التي أشار إليها في مقاله في الفورين بوليسي عاجزة حتى عن حماية نفسها، وظلت الأزمة في دارفور من نيالا وحتى جبل مون مشتعلة، وفي العاصمة تحت بصرها القتل والسجون مفتوحة، ولم تفعل شيئاً (لا تلك المنظمات ولا بعثة السيد فولكر)؛ سوى إصدار البيانات المتكررة (البايخة) التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ضمنها البيان المتغطرس الأخير للاتحاد الأوروبي، الذي حذر فيه من اختيار رئيس وزراء من دون توافق، مؤكداً أنه لن يعترف به ولا بحكومته، وللأسف طأطأ قادة البلاد الرؤوس، ولاذوا بالصمت المريب.
6
رؤية السيد أمجد للاستعانة بالمجتمع الدولي أملاً في الخروج من نفق الأزمة تعاني من انسداد في الأفق.. كيف؟
يدعو السيد أمجد فريد إلى إطلاق عملية سياسية يشارك فيها الفاعلون السياسيون والحركات المسلحة.. عرفنا الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على اتفاقية جوبا، ولكن من هم الفاعلون الآخرون المدعوون إلى الحوار؟ أحزاب 4 طويلة إضافة إلى الميثاق ولجان المقاومة والحزب الشيوعي والبعث السنهوري.. أتخيل هذا ما يقصده أمجد فريد بشكل أساسي.. إذن ما شأن الأحزاب الأخرى (الاتحادي الأصل/ حزب السيسي/ حزب أبو قردة/ الطرق الصوفية/ الإدارات الأهلية/ حزب مبارك الفاضل/ وغيرهم) طبعاً عدا “المؤتمر الوطني”.. هل هؤلاء سيشاركون أم إن ليس لهم حق في أي تشاور حول مستقبل البلاد التي تم تسجيلها بشهادة بحث الثورة ليوم الدين باسم الحرية والتغيير وتنوعاتها والحزب الشيوعي ولجان المقاومة؟
مَن سيقبل مَن ومَن سيفاوض مَن؟
الحزب الشيوعي ولجان المقاومة يرفضون الحرية والتغيير كلها جملة واحدة كما ويرفضون الميثاق.. ماذا سيفعل المجتمع الدولي مع الشارع الملتهب الذي يرفع شعارات عدمية.. لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية.. من سيحاور من في خضم نهر الجنون الذي نغرق فيه حالياً.؟
هل يرى الأستاذ أمجد فريد في ظل هذه الغيوم المنذرة بالسوء أفقاً مفتوحاً يمكن أن نعبُر من خلاله وننتصر؟
(يا حليلو لا عبر بينا ولا انتصر وخلانا في عز الجمر).
7
عوضاً عن تنظيم البيت من الداخل والوصول لقدر من التراضي الوطني حتى في حده الأدنى، ثم دعوة الآخرين للعون، قفز فريد طالباً النجدة من منجدين خبرنا نجدتهم في رواندا والبوسنة والهرسك وفي جوارنا القريب، بل وفي بلدنا الحبيب.. فقل لي يا فريد أما رأيت أياديهم التي امتدت عبر أزمنة مختلفة تعبث هنا وهناك؟ دلني كم بقعة من بقاع الأرض ساهموا فيها بتأسيس انتقال ديمقراطي سلس؟
“يا فريد إن الذي خرجت تبحث عنه في دهاليز الأمم تركته وراءك في بسطام.. شعبك”.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى