غير مصنف --

السؤال الصعب عقب استقالة حمدوك.. ثم ماذا بعد؟

تقرير: هبة عبيد

لم تكن استقالة رئيس مجلس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك من منصبه عقب (٤٢) يوماً من توقيعه على الاتفاق السياسي مع البرهان مفاجأة للشارع، لكنها كانت متوقعة بنسبة مئة بالمئة خاصة عقب التحديات التي واجهت مسيرته في المشهد السياسي. فقد سبق ان لوح حمدوك بالاستقالة عدة مرات خلال شهر ديسمبر المنصرم، غير أن الأمر الأن اصبح واقعاً ماثلاً، ولكن يبقى السؤال الصعب ثم ماذا بعد الاستقالة وما هي السيناريوهات المحتملة إثر ذلك، سيما عقب العبارات التي وردت في خطابه بقوله: (حاولت أن تجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو الكارثة، والآن تمر بلادنا بمنعطف خطير قد يهدد بقاءها).
تحديات جسام
في خطاب الاستقالة أمس الاول قال د. حمدوك إن الحكومة الانتقالية واجهت تحديات جسام، أهمها تشويه الاقتصاد الوطني والعزلة الدولية الخانقة والفساد والديون التي تجاوزت (60) مليار دولار، وتردي الخدمة المدنية والتعليم والصحة وتهتك النسيج الاجتماعي، وغيرها من الصعاب التي واجهت المسيرة الوطنية.
وأضاف أن نهج الحكومة كان دائماً هو الحوار والتوافق في حلحلة كل القضايا، وأضاف قائلاً: (نجحنا في بعض الملفات وأخفقنا في البعض الآخر).
وأوضح حمدوك أن قبوله التكليف بمنصب رئيس الوزراء في أغسطس 2019م كان على أرضية وثيقة دستورية وتوافق سياسي بين المكونين المدني والعسكري، لكنه لم يصمد بنفس الدرجة من الالتزام والتناغم التي بدأ بها.
وتابع قائلاً: (زادت على ذلك الوتيرة المتسارعة للتباعد والانقسام بين الشريكين، مما انعكس على مجمل مكونات الحكومة والمجتمع، وأدى إلى انسداد أفق الحوار بين الجميع، وكل ذلك جعل مسيرة الانتقال هشة ومليئة بالعقبات والتحديات).
وختم بالقول: (قررت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء).
توقعات بالأسوأ
لكن في أعقاب خطاب الاستقالة وبحسب محللين سياسيين فإنها في الوقت الراهن تعتبر إنهاءً للاتفاق المبرم بينه وبين الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ولكنهم توقعوا الأسوأ خلال المرحلة المقبلة وان تشهد مواجهات حادة بين العسكر والشارع، خاصة في ظل تمسك الطرفين بموقفيهما وعدم العدول عنهما.
تعزيز الموقف
لم يبد المكون العسكري اي استعداد للتراجع، بل انه عزز موقفه بالاستمرار في ما بدأ به بالاسلوب القمعي في التعامل مع التظاهرات، سيما بعد إصدار الفريق عبد الفتاح البرهان أمر الطوارئ الذي أعطى بموجبه صلاحيات واسعة للقوات النظامية وبينها جهاز المخابرات، فى الاعتقال والتفتيش والحجز والرقابة للأفراد والممتلكات، الامر الذي قابله الشارع بالرفض والتعنت بالاستمرار في الحراك الثوري لمواجهة الامر.
أبرز المرشحين
وفي جانب آخر بدأت الأسماء البديلة تظهر، حيث راج ان المكون العسكري رشح وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي لرئاسة الوزراء خلفاً لحمدوك، كما ورد اسم والي جنوب كردفان السابق د. حامد البشير من ضمن قائمة المرشحين لخلافة رئيس الوزراء المستقيل د. عبد الله حمدوك، الا ان بعض الخبراء حذروا من الخيارات المرتبطة بالاجهزة النظامية لانها مرفوضة من الشعب، ويجب أن يكون رئيس مجلس الوزراء شخصية مدنية ومستقلة تفاديا لاية احتكاكات مع الشارع.
مواكب إلى القصر
وبالمقابل لم يكن لقرار الاستقالة اثر على المواكب، حيث أعلن تجمع المهنيين السودانيين دعمه لتسيير مواكب إلى القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم اليوم الثلاثاء، تضامناً مع دعوة وجهتها تنسيقية ثورة ديسمبر في أمبدة بمدينة أم درمان، وسبق ان أعلنت لجان المقاومة جدولاً تصعيدياً لشهر يناير الذي أعلنته لجان المقاومة أخيراً، لكن لجان مقاومة بعض الأحياء دعت الى حراك مفاجئ امس الاحد أعقبته استقالة حمدوك.
تغريدات
ووصف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم ‏ استقالة الدكتور عبد الله حمدوك من رئاسة مجلس الوزراء في هذا التوقيت بالأمر المؤسف للغاية، واضاف قائلاً: (دعونا نحيل هذه المحنة الى منة وفرصة للم الشمل والعبور بالوطن الى بر الأمان. ومسؤولية القوى السياسية اليوم وحاجتها إلى الوقوف مع النفس ومراجعة المواقف أكبر من أي وقت مضى).
ومن جانب آخر قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في منشور على فيسبوك، إن استقالة حمدوك واحدة من تجليات الأزمة السياسية والاجتماعية المتراكمة التي لم تفهمها القوى السياسية التي ورثت البلاد في زمن غفلة أغلب الشعب، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن حمدوك ذكر في خطابه أن الأسباب وراء استقالته عدم وجود توافق سياسي، وأضاف مناوي قائلاً: (مازال المشوار طويلاً ولا بديل للحوار والاعتراف بالبعض).
قرار غير موفق
اما الخبير الاستراتيجي ابراهيم الضو فقد قال ان القرار لم يكن موفقاً في الوقت الراهن، خاصة مع استمرار التظاهرات التي خرجت في يوم من الايام من اجل حمدوك، واضاف قائلاً: (بالرغم من ان وجود حمدوك لم يعد يعني شيئاً للبعض الا ان بقاءه في المنصب يجعل البرهان يضع المجتمع الدولي في حساباته)، واشار الى ان استقالته تترك المجال فارغاً امام الانقلابيين، وقال ابراهيم لــ (الانتباهة): (الآن اصبح المسرح خالياً للمكون العسكري ليفعل ما يشاء، خاصة ان الازمة الآن اصبحت بين الشارع والعسكر)، واردف قائلاً: (حمدوك كان يمثل طرفاً ثالثاً يحسب له العسكر على الاقل حساباً واحداً ان لم يكن الف حساب، ونعم الاستقالة متوقعة ولكن لم يحن وقتها بعد).
إرادة الشعب
لكن استاذ العلوم السياسية د. عز الدين الشريف، اكد ان الاستقالة تمثل ارادة الشارع الذي ترقبها منذ وقت طويل، خاصة بعد الاتفاق الذي وقعه حمدوك مع البرهان، واوضح في حديثه لـ (الانتباهة) ان حمدوك لم يستطع اتخاذ قرار واضح لصالح الشارع بل ظل صامتاً، والأمر الآخر ان فترته شهدت فشلاً في مجالات عدة خاصة الاقتصادية منها، واشار الى ان الأمر المتوقع الذي ظهر سريعاً هو ان يشرع المكون العسكري في ترشيح رئيس وزراء بديل لحمدوك.
من هو حمدوك؟
أدى عبد الله حمدوك (مواليد كردفان عام 1956) رئيس الوزراء السوداني، اليمين الدستورية في (21) من أغسطس/ 2019، وفي عام 1995م أصبح كبير المستشارين الفنيين في المنظمة بجنوب إفريقيا وموزمبيق، كما شغل في وقت سابق منصب كبير المستشارين التقنيين في الفترة ما بين 1995ــ 1997م في منظمة العمل الدولية بزيمبابوي، وعمل خبيراً للسياسات الاقتصادية في الفترة ما بين 1997 ــ 2001م في مصرف التنمية الإفريقي في ساحل العاج، ومنذ عام 2001م ترأس حمدوك مجموعة من أنشطة اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، مثل إدارة سياسات التنمية والشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا والتكامل الإقليمي والحكم والإدارة العامة، وفي الفترة ما بين 2003 ــ 2008م شغل منصب المدير الإقليمي لاتحاد إفريقيا والشرق الأوسط، وقد طلب منه عمر البشير رئيس السودان السابق تولي وزارة المالية لكنه رفض ذلك، وبعد الإطاحة بالبشير عاد إلى البلاد ولكن ليكون رئيساً للوزراء وليس وزيراً المالية.
نهج براغماتي
وأدلى حمدوك بأول تصريح صحفي له في مطار الخرطوم أثناء عودته من إثيوبيا، وكان قد صرح بأن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود أبناء الوطن وتوحيد الصف لبناء دولة قوية، مشيراً إلى امتلاك السودان موارد كافية لجعل البلاد دولة قوية في القارة الإفريقية، وأضاف قائلاً: (سيتم تحديد الأولويات في الفترة الانتقالية، ومهمة الحكومة بناء مشروع وطني لا يقصي أحداً)، وقال حمدوك في كلمة له بعد أداء اليمين الدستورية، إنه لا يحمل عصا موسى لكنه سيسلك نهجاً (براغماتياً) في إصلاح الاقتصاد السوداني، ومفتاحه لتحقيق ذلك وقف الحرب أولاً والبدء بالإصلاحات لتدشين عهد جديد.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى