بالأمس قمت بزيارة لأحد اضخم المعامل الكيميائية والبيولوجية والذرية بهيئة المواصفات والمقاييس السودانية، وذلك بعد ان قدمت لى دعوة رسمية لزيارة معامل الهيئة، وتلك الزيارة أحسب انها انهت عقوداً من القطيعة بينى وبين الهيئة، حيث لمست فى الهيئة الكثير من الامكانات غير المستغلة من قبل الدولة ربما لسوء التنسيق او التقاطعات التى تحدث، اضف الى ذلك ان دور الهيئة المهم ذلك لا نلمسه فى حياتنا اليومية ربما لجهلنا بالاجراءات او ربما لفشل تام فى الترويج لمنتجاتنا واعمالنا اليومية وجهودنا .
ومن المفترض ان تصبح الهيئة جزءاً لا يتجزأ من اسلوب حياتنا اليومى، وعلى الرغم من ان مسؤولى الهيئة اكدوا ان مدخلات الفحص المختبرى باهظة الثمن ومكلفة وتستورد باموال طائلة من العملات الاجنبية، الا انه لا ينبغى للدولة ممثلة فى وزارة المالية ان تتعامل مع احتياجات هيئة المواصفات كبند ثانوى لاسباب تتعلق بأن تلك المدخلات تستغل فى فحص مدى صلاحية طعامنا اليومى وغذائنا وحتى كسائنا، وبات الآن من الممكن لاى مواطن ان يخضع مياه الشرب بمنطقته للفحص المخبرى للتأكيد من مدى سلامتها، كما انه بات بالامكان ان تستغل معامل الهيئة فى التأكد من صلاحية كل شيء الآن .
واذا كانت وحدة المختبر المركزى التابعة للهيئة الآن تخضع (البزازات) ولعبة (الحلمات) التى يستخدمها الاطفال فى اللعب والرضاعة للفحص المعملى للتأكد من مدى صلاحياتها، فما الذى يمنع اخضاع منتجات الالبان ومياه النيل والمزروعات والاطعمة المختلفة للفحص، حتى نتجنب الكثير من الامراض واعظمها السرطان الذى اصاب اعداداً مقدرة من سكان بلادي.
ومع قلة الوازع والضمير لدى العديد من المنتجين والتجار واصحاب المصانع، بات الآن بمقدور معامل المواصفات تحديد انماط حياتنا ونوع الاطعمة الذى يجب ألا نتناوله، وحتى مستحضرات التجميل التى تستخدمها النساء اوجدت لها معامل، وحتى القهوة والشاى بات الآن بالامكان فحصها لتحديد نسب الكافايين فيها، وطالما اننا وصلنا لهذا المستوى المتقدم من التطور فلماذا نتناول يومياً اطعمة غير صحية وخبزاً رديئاً وزيوتاً فاسدة وسكراً بلا طعم؟ وللاجابة عن هذا السؤال فإننا نجد ان التقاطعات وعدم التنسيق وتقصير الصلاحيات الذى تعانى منه الهيئة كان سبباً رئيساً فى ذلك الأمر .
والشرطة كجهاز رقابي قادرة على القيام بدورها كاملاً، ولكن هنالك جهات تقف حجر عثرة فى طريق عمل الهيئة، وذلك من اجل تحقيق مكاسب شخصية او اجندة خفية، فإذا تناولنا موضوع الدقيق، فإننا الآن نجد ان المخابز التجارية تعمل بالدقيق الفاخر بينما المدعومة تقوم بانتاج الخبز الرديء، وهذا فى حد ذاته يؤكد ان الدولة على اعلى مستوى لها تبارك مسألة توزيع الدقيق الفاسد وغير المطابق للمواصفات، وبالتالى تصبح المسؤولية ليست مسؤولية المواصفات لوحدها، وانما مسؤولية الدولة على اعلى مستوى لها.