العودة لطاولة الحوار هي مفتاح الحل للأزمة السودانية، حتى بعد الصدام والشقاق بين المكون العسكري والمكون المدني لمجلس السيادة الانتقالي في السودان، الذي يعد السبب وراء إعلان الفريق عبد الفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة السوداني) حل المجلس واتخاذ إجراءات كانت مثار جدل واسع في الداخل السوداني وخارجه، خاصة بعد البيان الرباعي الصادر من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، الذي يدعو لإعادة الحكم المدني في السودان، كما طالبت فيه بإطلاق المحتجزين ورفع حالة الطوارئ.
الأزمة في السودان يرى البعض أنها ليست صراعاً بين مكون عسكري وآخر مدني، بل هي خليط أزمات ومشاكل اقتصادية بالدرجة الأولى، فالجميع اتجه إلى الشارع، وحاول استخدامه ورقة ضغط لتحقيق أهدافه، لدرجة لم يستطع معها أي طرف الزعم بأنه يمثل رأي الشارع حصرياً.
فالجميع لا يزال يعوّل على الشارع وسلميته، وبذلك تصبح إمكانية العودة للحوار ممكنة بل وفرصها للنجاح كبيرة، طالما لم يحتكم أي طرف للسلاح، وما دام الخلاف لا يزال سلمياً ومستنداً إلى «الوثيقة الدستورية».
فالفريق البرهان علق العمل ببعض المواد بالوثيقة الدستورية ولكنه لم يلغها، كما حل مجلسي السيادة والوزراء وأعلن حالة الطوارئ، مع إرساله رسائل طمأنة للفصائل المسلحة بأن اتفاق جوبا لا يزال سارياً، معللاً تلك الإجراءات بأن سببها حالة «التشاكس والتكالب على السلطة والتحريض على الفوضى من دون النظر إلى المهددات الاقتصادية والأمنية»، وهو ما دفعه للقيام بما يحفظ السودان وثورته، بينما وصفت وزارة الإعلام في الحكومة المنحلة إعلان الفريق البرهان بـ«الانقلاب العسكري المتكامل الأركان».
لقد جاء إعلان الفريق البرهان بمثابة حالة الطلاق بين العسكريين والمدنيين في مجلس السيادة السوداني بعد شهور من العسل المر، وحالات الشد والجذب والاختلاف في الرؤى لدرجة الخلاف المستعصي، ليس فقط داخل صفوف المكون المدني، بل كانت داخل المكون العسكري، لدرجة قيام سلاح المدرعات (الشهير بانقلابات السودان في الماضي) بالخروج قبل أسابيع من إعلان البرهان حل المجلس.
حاول الفريق البرهان طمأنة شباب الثورة ومغازلتهم بالقول إنه ثابت على مبدأ الثورة، وإنه سيشكل برلماناً «ثورياً» من الشباب في محاولة منه لتحييد قطاع الشباب وإبعادهم عن التصادم مع الجيش، بعد ظهور أقاويل بأن إعلان البرهان هو محاولة لصالح النظام السابق، الأمر الذي نفاه البرهان بالقول: «لو كنا نريد استعادة النظام السابق، فلماذا سمحنا بسقوطه واصطف الجيش مع ثورة الشعب؟!». هنا يبدو كلام البرهان في هذه النقطة مقنعاً، فنظام البشير لم يعد له بواكٍ حتى بين ضباط الجيش السابقين.
الأزمة في السودان لها جذور اقتصادية، وإن كان السودان غنياً بالماء والتربة الخصبة للزراعة بل يكاد يكون البلد العربي الأول القادر على توفير سلة الغذاء لثلث سكان العالم لو تم استغلال موارده بشكل صحيح، إلا أن السودان يعاني من الفقر، كما أن نسبة 46 في المائة من سكانه تحت خط الفقر وفق تقارير الأمم المتحدة. فالسودان بلد النيلين تشظى جغرافياً وديموغرافياً إلى بلدين، في ظل صراع سياسي على السلطة مكن في الماضي البشير الذي جمد البلاد لسنوات طويلة لصالح تنظيم الإخوان من دون أن يحقق السودان أي درجة في السلم الاقتصادي ولا حتى الزراعي، في ظل فشل حكومي مستمر متوارث بين الحكومات رغم اختلاف مشاربها.
أخيراً أياً كانت مبررات حل المجلسين واستبدال الحكومة وتعطيل جزء من الوثيقة الدستورية، إلا أنه لا بد من الحوار بين السودانيين والعودة إلى طاولة الحوار وضبط النفس.