رحم الله شهداء الواجب من القوات الأمنية الذين استشهدوا بالامس بنيران الخلية الإرهابية الداعشية بالخرطوم، وكما طالب الكثيرون عبر الوسائط يجب أن تقام جنازة رسمية لهؤلاء الابطال تشارك فيها جماهير الشعب السوداني وقواته النظامية، فجنازة من هذا النوع ترسل رسائل متعددة، أولها تماسك أبناء الوطن الواحد ضد اي تهديد ارهابي، وثانيها ايمان هذا الشعب بابناءه الشرفاء في القوات النظامية والامن وبوطنيتهم وشجاعتهم وذودهم عن حياض الوطن.
وجود هذه الخلية الأمنية الداعشية في قلب الخرطوم يثير تساؤلات عديدة وحقيقية، من أين جاءوا؟ وكيف؟ وماذا يستهدفون؟ وهل هذه كل الخلايا ام توجد خلايا أخرى غير مكتشفة؟. كان المنطقي ان يتراجع التواجد الإرهابي بالسودان بعد ان اطاحت ثورة ديسمبر بنظام الإرهاب الانقاذي، ولكن ظهور هذه الخلية الداعشية يكذب ذلك، وهذا سيوجه أنظار العالم الأمنية والاستخباراتية مجددا نحو السودان، مما قد يفاقم الوضع ويؤدي إلى فقدان السودان للعديد من المكاسب المتوقعة وخاصة في مجالات الاقتصاد والاستثمار.
تاريخ الارهاب في السودان يحتاج إلى نظرة عن قرب لبحث وتحليل واكتشاف مكامن الخطر التي قد ترعى مثل هذه الخلايا الإرهابية وتفسر وجودها، وجماعة نظام الإنقاذ بلا منازع هم التفسير الأول، حيث كان السودان في عهدهم بؤرة إرهاب، عتاة الارهابيين مثل بن لادن والظواهري كانوا في السودان في عهد الانقاذ، الهوس الجهادي الكيزاني وهتاف ( أمريكا روسيا قد دنا عذابها) كان طاغيا. المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي انعقد في بداية التسعينيات وحشدت له الحركة الإسلامية السودانية أعتى المجموعات الجهادية الإرهابية من حول العالم، وهو المؤتمر الذي اعقبته حادثة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا عام ١٩٩٥ والتي شاركت فيها الإنقاذ باعتراف شيخهم حسن الترابي، هذا المؤتمر الكارثة هو الذي عرف الإرهابيين بالسودان وحوله لبؤرة ارهاب، مما عرض السودان لهجمات متتالية بالصواريخ والطائرات، مستهدفة الخرطوم وبورتسودان وشمال السودان.
بعض الإسلاميين المتشددين لديهم علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، بايع محمد علي الجزولي امير داعش الملقب بالبغدادي من على منبر مسجد بالخرطوم، كما ان إبني الشيخ السلفي الراحل أبوزيد محمد حمزة رئيس جماعة أنصار السنة محمد وعبدالإله قتلا في ليبيا إبان انضمامهما لقوات داعش التي تقاتل في ليبيا، بينما تورط شقيقهما الثالث عبدالرؤوف في عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي جون جرانفيل في الخرطوم في عام ٢٠٠٨ .
الفكر الداعشي الضال وجد طريقه إلى السودان عبر طرق متعددة من بينها خلايا الاجانب التي تستقطب وتجند الطلاب الجامعيين، وهو ما حدث بصورة واضحة في جامعة مأمون حميدة التي شهدت هجرة عدد من طلابها وطالباتها للجهاد تحت قيادة داعش، وقد قتل اكثريتهم بينما رجعن بعض الطالبات، فتح هذا الملف من أجل تجميع الخيوط وبحث أسرار هذا التنظيم وطرق تغلغله في عقول الشباب يجب أن يكون أولوية من أجل تنفيذ ضربات استباقية وتحصين الطلاب في الجامعات والمعاهد وفي كل مكان من خطر الفكر الداعشي الضال.
حين كان الاسلاميون في السلطة كانوا يوفرون الدعم لهذه الخلايا الارهابية لتضرب ضرباتها ضد الأهداف العالمية وخاصة خارج السودان، اليوم بعد أن زالت دولة الإرهاب الانقاذية بأمر الشعب، فالمتوقع ان تحاول هذه الخلايا الاستمرار في استخدام السودان مخبأ لعملياتها وكوادرها، أو أن توجه ضرباتها للسودان هذه المرة دعما لإثارة الفوضى التي ينشط فيها الفلول، وهذا ما لا يمكن قبوله بالتأكيد من دولة الثورة.
ربما استغلت هذه الخلايا الإرهابية حالة السيولة الأمنية التي تضرب البلاد في ظل الاحتقانات بين شركاء الحكم، فتسللت إلى البلاد او اعادت تفعيل نفسها بعد كمون وتخطط لتنفيذ عمليات نوعية لا يعلمها احد، لذلك التحقيق مع المعتقلين من هذه الخلية قد يكشف أسرارا عديدة، ويفتح الطريق لتنظيف البلاد من الإرهابيين.
رفع القدرات التدريبية والتسليحية للقوات التي تعمل في مجال مكافحة الارهاب أصبح ضروريا جدا. الإرهاب لا يستهدف السودان فقط بل العالم اجمع، لذلك مطلوب من العالم الوقوف مع السودان في الوقت الراهن، التنسيق عالميا مع دول العالم الحر في محاربة الإرهاب يجب أن يبدأ فورا، وأن تعتبر الحكومة ما حدث بالأمس تهديدا كاملا وحقيقيا للامن والسلام السوداني في المستقبل القريب والبعيد.