يمر السودان حالياً بمنعطف يعتبر الأكثر خطورةً منذ إندلاع ثورة 19 ديسمبر 2019 المجيدة، التي نجحت في إسقاط نظام عمر البشير بعد ثلاثين عاماً من الحكم المستبد.
وبعد انقضاء ما يقارب العامين، يبدو أن نتائج التغيير لم ترضِ أغلب قطاعات الشعب الذي لم يتوانَ عن تقديم دمائه رخيصةً في سبيل الحرية والكرامة. فكان سقوط النظام البائد بمثابة بداية حقيقية للتحول الديموقراطي في السودان، وإعلان مرحلة جديدة من الحرية والانفتاح السياسي، لكن الانتصار لايزال جزئياً حتى اللحظة وغير مكتملاً لجهة أن النظام البائد لازال ينخر في عظام الثورة ويخطط لمرحلة جديدة من الحكم بقوة بالمؤمرات والطرق على الخلافات السياسية في أوساط الائتلاف الحاكم.
و رسم مركز “مالكوم كير – كارنيجي” صورة قاتمة للأوضاع السياسية والتحول الديمقراطي في السودان تؤيدها حدّة الانقسامات بين السلطات العسكرية والمدنية في السودان.
وأظهر التقرير الذي أعده الصحفي “صاموئيل رافاني”، أن عناصر من المؤسسة العسكرية ما قبل المرحلة الانتقالية في السودان تستخدم المزايا السياسية والاقتصادية والدولية لتعزيز نفوذها على المدى الطويل.
وأوضح أن الجهود التي تبذلها القوات المسلحة السودانية في توطيد سلطتها تمثل عودة إلى ماضي السودان – إلى ما قبل عهد المخلوع عمر البشير .
وبحسب التقرير فإنه بعد مواجهة نظام الإنقاذ لمحاولة انقلابية في عام 1990، قام البشير بتقسيم القوات المسلحة السودانية إلى فصائل قبلية وعربية وقومية وإسلامية، واستخدم الرعاية لضمان بقاء كل فصيل على ولائه لنظامه، ومنعت هذه الاستراتيجية القوات المسلحة السودانية من العمل كقوة سياسية مستقلة وموحدة حتى إنشاء المجلس العسكري الانتقالي في شهر أبريل 2019.
وأشار الكاتب الى أن البرهان ومسؤولون كبار آخرون في القوات المسلحة السودانية ينخرطون في حملة خفية لترسيخ نفوذهم السياسي والاقتصادي على السودان بعد المرحلة الانتقالية وتهميش المعارضة داخل صفوف القوات المسلحة السودانية، ما قد يعرض المسار الديمقراطي للسودان للخطر، وينبئ الوضع الماثل الآن بتحديات كبيرة لا تزال تواجه الثورة السودانية التي أطاحت قبل عامين بالرئيس عمر البشير، بعد نضال وتضحيات منقطعة النظير قدمها الشعب السوداني الذي لطالما عانى على مدى ثلاثة عقود من الحكم الشمولي المستبد. فكان سقوط البشير بمثابة بداية حقيقية للتحول الديموقراطي في السودان، وإعلان مرحلة جديدة من الحرية والانفتاح السياسي، لكن سرعان ماعادت أيادي الشر لتضع العصي في دواليب بناء السلطة الديموقراطية، معلنةً بكل وضوح عن رغبتها بعرقلة عملية الانتقال إلى مرحلة الحكم الديموقراطي، الأمر الذي دفع الأحرار من الشعب السوداني إلى العودة إلى المظاهرات الحاشدة التي أخذ بعضها مسميات على شاكلة “مليونية إستكمال هياكل السلطة، أو مليونية تصحيح مسار الثورة”، وقد أفضت هذه “المليونيات” إلى الإسراع في عملية استكمال الانتقال الديموقراطي في البلاد، وبناءً عليها تم استبدال ولاة الولايات العسكر بولاة مدنيين، ولكن سرعان ما عاد سير الأمور إلى التعثر، وكأنما هنالك من لا يريد للسودان أن يعيش التجربة الديموقراطية، أو أن يجني الشعب الثائر ثمار ثورته التي بذل فيها الغالي والنفيس.
وأصبحت المطالبة بتشكيل المجلس التشريعي والمؤسسات الفاعلة وإصلاح المنظومة العدلية الشغل الشاغل، والنداء اليومي للشعب السوداني بكل أطيافه وشرائحه، مشيرين بأصابع الاتهام نحو المكوّن العسكري الذي يعتبرونه العائق الأول والأهم في مسيرة الانتقال والتحول الديموقراطي، على اعتبار أنه المستفيد الأكبر من استمرارية الوضع الحالي على ما هو عليه، وذلك لضمان البقاء في السلطة، وعدم تسليمها إلى المدنيين.