الراى السودانى
في مقالى السابق طرحت سؤالا محوريا قلت فيه ماهو سر تكرار وضع القوات المسلحة في مواجهة مستمرة مع المسيرات ( المُسّيرة ) ؟ .
حقيقة تركزت الصورة البارزة بعد إنتهاء حدث 29 رمضان علي إظهار معلومات وجهت الأنظار الى حقائق محددة دونما النظر او إغفال حقائق أخرى ، وذلك بفعل عمليات التنميط التى جاءت بعد العزف والطرق المكرر على أسلوب معروف من أساليب الحرب النفسية وهو افتعال الأزمات وتكرار إفادات محددة حتى يصدقها الناس وان كانت غير صحيحة .
قلت فى مقالى السابق ان وضعية القيادات العسكرية في العالم – جل العالم – لا تنفصل عن وجود حواجز ضخمة تلك الحواجز التى تحظر وتمنع من الاقتراب منها فذاك امر طبيعي جدا سواء كان فى دولة حكمها شمولي او ديمقراطي ،، والمهم أيضا والذي لم نركز عليه كثيرا في ذلك الحدث أعتبره واحدا من العبر والدروس التى ينبغي أن نستفيد منها بعد حدث 29 رمضان – ذلك ان زخم وتداعيات الحدث شغلت الرأي العام عن بعض التساؤل المشروع الا وهو التنظيم القانونى للتظاهرات والمسيرات الشعبية ،، فالمفروغ منه ان التظاهرات حق كفلته الدساتير والقوانين للتعبير عن الرأي كأحد أشكال الممارسة السياسية دون ان يتعدى على حريات الآخرين ، مهما كان شكل هذه المسيرات احتجاجية او مسيرات تأييد ، بتعدد انواعها من الطلابية او الشعبية او العمالية الخ .. لكن تنظيمها معطى محورى ، فاندفاعنا نحو الحريات التى ربما حرمنا منها كثيرا ، ينبغى ان لا يصرفنا وينسينا أهمية التركيز علي الممارسة السليمة لحق التظاهر تنظيم المسيرات بأسس قانونية ودستورية ..
ان عدم الإلتفات إن لم نقل الإهمال لهذه الجوانب القانونية والدستورية يترتب عليها مخالفات قانونية ودستورية ومخاطر أمنية ، بما ينفى الصفة الشرعية لهذه الممارسات ، ومن المخاطر المترتبة علي ذلك مثالا لا حصرا : التخريب – تغيير اتجاه المسيرة وأهدافها – الفوضى – الإنزلاق – والعديد من المخاطر .. وهذه هي درجة الخطورة القصوى التى يمكن ان يصلها بلد يعيش في حالة من الهشاشة – التي طال أمدها – مثل السودان ،،
ومن نافلة القول أن نقول هنا بوجود الاجندات الخفية والعملاء واصحاب الغرض وما إلى ذلك مما يسعر هذه الحالة ،،
لذلك لابد من التركيز علي المسلمات التى يجب أن يقبل عليها الجميع والتى يجب أن تكون ثقافة راسخة ، فالقضية ليست قضية مسيرات تذهب من وقت الى آخر وتحاصر القيادة العامة وكأنما الهدف والقصد والعدو هو القوات المسلحة ..
ينبغى ان نعيد النظر في هذه المسائل بعدة نقاط :
أولا : إعادة النظر بالإتفاق مع كل الجهات المعنية بحكومة الفترة الإنتقالية في مسألة المسيرات التى تتوجه الى القيادة العامة ما دام أن الأمر أصبح يشكل ويترتب عليه مخاطر أمنية ومتكررة ..بإعتبار ان ذلك يمثل ثغرة أمنية ينفذ عبرها العدو للمناطق العسكرية
ثانيا : التنسيق مع الجهات الإدارية بالعاصمة ، فلابد من تحديد المناطق المحظورة عسكريا والتى يحرم فيها التجمع مادام أن هناك قانون يتحدث عن ( ممنوع الإقتراب او التصوير ) خاص بالقوات المسلحة وقيادتها العامة ،، وهذا ما معمول به في كل أنحاء العالم ..
ثالثا : أجواء الحريات التي يعيشها الشعب السوداني من الأفضل والمفيد ان لا تنسي الناس ولا تنسينا التشديد في تنفيذ استحقاقات ممارسة حق التظاهر وتنظيم المسيرات بصورة حضارية وثقافة يجب أن ترسخ ، بدءا بأخذ التصديق من الجهات المختصة – فما العيب في ذلك ؟ – هذا التصديق الذي يصدر بعد تقديم طلب للجهات المختصة يوضح الجهة المنظمة للمسيرة وأهدافها وما هو خط سيرها ، وكم من الزمن ستستغرق وماهى تفاصيل نشاطها حتى تصل الى نقطة تجمعها الأخيرة ،، ذلك لاتاحة الفرصة للجهات المعنية مثل : الشرطة – النيابة – الأطقم الطبية – الخ .. لعمل التنسيق المحكم لتأمين المسيرة والحفاظ علي المشاركين فيها ، وهذا ما جرت عليه العادة في كل دول العالم ..
رابعا : الرجوع للوثيقة الدستورية التى اكدت حق التظاهر بما تكلفله القوانين والدساتير.
خامسا : التفريق بين التظاهر السلمى والشغب الذى يترتب عليه الموت والجراح والتخريب.
سادسا : تفعيل قانون قواعد الإشتباك مع تأطيره وإجازته من أعلى جهات الإختصاص حتي يكون ساريا في المستقبل
إن القوات المسلحة لا علاقة لها بعمليات الأمن الداخلى ، الا بما تقتضيه الضرورة القصوى بعد طلب من الجهات المختصة بهذا الشأن ووفق الإجراءات المتبعة والآليات المعلومة قانونا بالتدخل وفق تقدير الموقف العام الذى تراه هذه الجهات حسب الحالة الأمنية .
اليست هذه قضايا فى غاية الأهمية واجب عدم إغفالها او تركها ونحن نتجه نحو الدولة المدنية والتحول الديمقراطى المنشود. ؟
ان واجب ومهمة القوات المسلحة هو الحفاظ على الدستور وحماية الوطن والمواطن والحدود ،، ثم تاتى أهمية التخصصية في المهام ، التى تقوم بها القوات النظامية الأخرى ، حتى تقوم كل جهة بواجبها وبمهامها ،، ونحن نثق في القوات النظامية الاخرى التى تؤدى واجبها المتخصص بحكم تدريبها الإحترافى وتأهلها وامتلاكها من تراكم الخبرات للقيام بهذه الأعمال التخصصية .